إبداع متميز من التراث اليمني
عرض: محمد علي ثامر

عرض: محمد علي ثامر –
دائما ما يفاجئنا الأستاذ المحقق/ محمد بن محمد العرشي بإنجازات رائعة قلما نجد لها مثيلا فهو السباق دائما إلى تحقيق وطباعة مخطوطات يمنية تمثل كنوزا تاريخية وتراثية بحد ذاتها.. وها نحن اليوم نتأمل إنجازه الثالث المتمثل بتحقيقه لكتاب (برهان البرهان الرايض في الجبر والحساب والخطأين والأقدار والفرائض) لمؤلفه الإمام العلامة/ إبراهيم بن عمر البجلي الزبيدي ليعود بنا إلى الإنجازين الرائعين اللذين سبق للمحقق أن أنجز تحقيقهما وهما: كتاب(من بواكير حركة التنوير في اليمن) للعلامة/ أحمد بن أحمد مداعس وكتاب (الإعلان بنعم الله الواهب الكريم المنان في الفقه عماد الإيمان بترجيعات في العروض والنحو والتصريف والمنطق وتجويد القرآن) تأليف: صفي الدين أحمد عبد الله السلمي الوصابي الشهير (بالسانة) والذي يشكل مع هذا الكتاب توأما فريدا ونادرا في إبداع أمة العرب وآدابها ـ كما تم وصفهما في المقدمة الرائعة لهذا الكتاب – فالكتاب يحتوي على (253) صفحة من القطع A4 الجميل ذات اللون الذهبي وقام بتقديمه الأستاذ الأديب/ خالد الرويشان وقرظه شاعرنا الكبير/ حسن عبد الله الشرفي.
عندما تقرأ وتقلب صفحات هذا الكتاب الجميل طباعة وتنسيقا وإخراجا والرائع معنى وتفاصيلا ومضمونا تجد بأنك أمام مخطوطة غريبة وعجيبة في آن واحد فالغريب فيها هو اختلاط الأمر وعدم الفهم لما تحتويه الأبيات الشعرية لهذه المخطوطة وكذا ألوان تقسيماتها العمودية ولعل هذا الاختلاط وقع فيه كثير من الكتاب والأدباء والمفكرين ـ سبق وأن سألتهم عن كتاب (الإعلان) توأمه السابق ـ ولكن ما أن يتفهم المرء ويعرف تقسيماته الأفقية والرأسية ليجد بأن هذا الكتاب ليس غريبا البتة وإنما كتاب يحوي العديد من أصناف العلوم وبطريقة مبسطة ومبتكرة جدا تشبه الأبيات الشعرية لشعراء المعلقات السبع تبدأ هذه الأبيات بكلمة (الحمد لله) أفقيا ورأسيا في مقدمة الكتاب.
أما العجيب أيضا فهو احتواء تلك الأبيات الشعرية لخمسة علوم هامة ومهمة ساهمت – حينذاك – في إعلاء نهضة ورقي وتطور الإنسانية والعلوم هي:
علم الفرائض: وهو علم يعرف به كيفية توزيع الإرث على مستحقيه ويقرأ أفقيا على كامل الصفحة على الوضع المعتاد في الكتب.
علم الخطأين: وهو علم يتعرف منه استخراج المجهولات العددية إذا أمكن صيرورتها في أربعة أعداد متناسبة ويسمى في هذا الكتاب بالعمود أو الترجيعة الأولى وميز باللون الأحمر.
علم الحساب: وهو علم بقواعد تعرف بها طرق استخراج المجهولات العددية من المعلومات العددية المخصوصة من الجمع والتفريق والتصنيف والتضعيف والضرب والقسمة ويسمى في هذا الكتاب بالعمود أو الترجيعة الثانية وميز باللون الأزرق.
علم الجبر: وهو علم يعرف به كيفية استخراج مجهولات عددية بمعادلتها المعلومات مخصوصة على وجه مخصوص ويسمى في هذا الكتاب بالعمود أو الترجيعة الثالثة وميز باللون الأخضر.
علم الأقدار المتناسبة: وهو العلم الذي ينظر في المقادير المتناسبة وأحد فروع العلوم الهندسية ويسمى في هذا الكتاب بالعمود أو الترجيعة الرابعة وميز باللون البنفسجي.
ويودر المحقق – الأستاذ العرشي- توضيحا لهذه العلوم حيث يقول: “لم يقسم أيا من العلوم الأربعة إلى أبواب أو فصول أو مسائل بل سرد كل علم بأوجز عبارة ليكون كل كتاب من هذه الكتب وكأنه مجموعة قواعد موجزة مبنية في فنه فلم يكن في الإيجاز إخلال ولا في الاختصار إهمال.
أما علم الفرائض الذي هو أساس الكتاب فقد قسمه المؤلف إلى أبواب وفصول وضمنه مسائل وفروع على النسق المتعارف عليه في علم الفرائض غالبا إلا أن الجديد الذي جاء به المؤلف رحمه الله في هذا المجال هو تضمينه العلوم الحسابية التي لا غنى لطالب علم الفرائض عنها لتعلقها به وتعلقه بها.
الكتاب المعجزة.. في زمن عظيم
إن إنجاز كتاب (برهان البرهان الرايض) مثل معجزة قل نظيرها وفي أقل من عام واحد فقط “حيث بدأ العمل في تأليف الكتاب في شهر رجب من سنة 908هـ والانتهاء منه في شهر صفر في سنة 909هـ”.. وقد واكب إصدار هذا الكتاب زمن الدولة الطاهرية التي كانت في أوج تقدمها ورقيها وتطورها وقد اعتنت عناية كبيرة بالعلم والتعليم حيث بنت المدارس والمساجد والزوايا العلمية في كثير من المدن وأوقفت عليها الكثير من الأوقاف التي ساعدت على قيام نهضة علمية كبيرة ويذكر الإمام البجلي في مقدمة كتابه الآخر الذي يفسر هذا الكتاب والمعنون بـ (كشف الأسرار والغوامض في مخبيات كتاب “برهان البرهان الرايض) “أنه أكمل تأليف كتابه “برهان البرهان الرايض” بأمر من الملك الظافر صلاح الدين عامر بن عبد الوهاب بن داوود بن طاهر آخر سلاط