ذيــوع الـروايــة

د. فارس البيل

يمكن القول إن الرواية العربية منذ أن بدأ زمنها على المستوى الفعلي برواية ” زينب” لمحمد حسين هيكل الصادرة سنةþ1913þم وهي تتجذر في النسق الثقافي العربي وتحضر بوصفها جنسا أدبيا بوعي كبير في فضاء المنجز الإبداعي العربي وإن كانت قد شهدت العقود الثلاثة الأخيرة ازدهارا واسعا للرواية وتطورا لافتا على المستوى الفني أو الإنتاجي أو على مستوى عملية القراءة والتفاعل القرائي بل تميزت السنوات الأخيرة بسطوة بالغة للرواية وانتشار واسع في أوساط المثقفين والأدباء والشباب والمهتمين.
على أن هذا الاهتمام والانفتاح تجاه الرواية له مسبباته ومقتضياته نتيجة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المقترنة بالتطور التكنولوجي واتساع أفق التعليم المدني وظهور وسائل الاتصال الحديثة المقترنة بالطباعة أو القراءة الالكترونية ووسائلها الذكية مع ملاحظة أن الاهتمام بالرواية ومتابعتها لا يعني الاقتصار على الرواية العربية بل إن حركة الترجمة المتسارعة قد أسهمت بشكل جاد وأخاذ في نقل سرديات كثيرة من ثقافات شتى من العالم الأجنبي في كل مناطقه ولابد من القول إن الرواية العربية في بداياتها وقبل نشوئها وعلى مراحل تطورها وحتى حضورها المتميز الآن كانت تأثرا واضحا بهذا الفن الغربي واستقت الرواية العربية من ذلك النوع الأدبي كثيرا من تقنياتها وأساليبها وموضوعاتها وما تزال الرواية العربية في مرحلة تجعلها في طور السعي لمستوى النضوج الروائي الغربي وترغب في اللحاق بعمقها وإتقانها.
þهذا الحضور الروائي الواضح في المشهد الثقافي العربي أوصل الاهتمام بالرواية إلى مرحلة التنافس وصدارة الاهتمام من جهة رأس المال فرصدت الجوائز العديدة للرواية وتنوعت طرق دعم الرواية والروائيين ومع إيماننا بأنه لا جنس أدبي يحتل مكانة جنس آخر أو يقضي عليه أو يزيحه من الذاكرة العربية لكن بإمكاننا أن نقف عند ظاهرة انتشار الرواية والتفاعل القرائي معها وذلك يعود لأسباب كثيرة يمكن أن نشير إلى بعضها:
تتميز الرواية بقدرتها على احتواء التفاصيل الطويلة واتساع مساحة الحكي فيها يغري فضول القارئ بالبقاء والمتابعة فكثيرا ما كان الإنسان العربي شغوفا بالاستماع للحكايات والأساطير مثله مثل باقي من الشعوب ولأن الرواية تحمل هذا الأسلوب وتحتوي هذا النفس فإنها في زمن السرعة والتقدم تحظى باهتمام لكثرة التفاصيل والقضايا وتداخل الأحداث وانفجار المعرفة مما يجعل من الجملة الكثيفة في هذا الزمن أمرا غير ملاحظ أو ملائم فتأتي الرواية لتحشد في طياتها قضايا الفرد والمجتمع وهمومه الواقعية بتفاصيل عديدة هي ذاتها التفاصيل المتنوعة والعديدة التي تملأ يوم الفرد أو المجتمع.
كما إن الرواية وهي تجد طريقا واسعا لها بين مشاغل الحياة العصرية فلأنها قادرة على البوح بما لا يمكن البوح به إنها تعنى كثيرا بما تتجاهله وسائل تعبير كثيرة كما إنها مساحة نفسية ملهمة يجد فيها القارئ معبرا عن همومه والصراعات النفسية التي تنتشر في الحياة الجديدة تبعا لتنوعها وتطورها.
الرواية أيضا فن واقعي ومدني أي أنها تنقل الواقع بقوالب فنية مسلية تعيد قراءة هموم المجتمع بأسلوب أدبي ناعم يواجه صلابة الحياة العصرية وجمودها ومدنية الرواية تعود إلى مواكبتها التطور المجتمعي الذي تعد المدينة حاضنته وميدانه بما فيها من عوالم صاخبة ومتعددة متشعبة الهموم ومتنوعة الحاجة.
ولا يكاد يكتمل الوعي المدني إلا بالرواية في عصر السينما والتلفزيون والمسرح وغيرها فالرواية هي الخيط الذي يلم هذا النسق ويغذيه إذ يتجه وعي الفرد والمجتمع وثقافته الآن تجاه الحكاية التي تفصل القضية وتشرح الفكرة وتحلل المضمون وتوحي بالنتيجة.
ولأن الشعوب حكايات والمدن قراءات والحياة تفاصيل يحتل الشغف الرواية فلا أقدر منها على نقل عوالم الكرة الأرضية لبعضها البعض والتعبير عن كياناتها وموروثاتها وتقاليدها فيجد العربي المبدع والقارئ في الرواية متحفا يعرöف به عند الآخرين ورسالة تعبر عن فكره وثقافته ونمطا من أنماط التعارف المهمة بين الشعوب ومعرفة ما وراء الحوائط الرسمية وما خلف أسوار عادات السياسة .
إن الرواية وفقا لتركيبتها تفرض حضورها بقدرتها على التقاط عناصر الحياة المختلفة وصياغتها بما ينطوي عليه النسيج الروائي من قدرة على تأليف الحدث الواحد وإعادة تنغيمه ليغدو حدثا عاما وقضية رأي ومشكلة مجتمعية.
كما أن عناصرها الفنية كالحوار والوصف والحبكة والأحداث والشخصيات تغري بالتمدد في ذهنية المتلقي وتفتح له آفاقا واسعة لمعرفة الحياة والقدرة على فهم ما يدور حوله في زمن تزيد فيه فرص التطلع والشفافية مقابل تعدد مواطن الغمو

قد يعجبك ايضا