حركة التجدد الديناميكية في اليمن

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - بدأ ظلال الأحداث العميقة يؤتي ثماره في اليمن وبدأت حركة التجدد والتحديث تشق طريقها في مسالك وأنسجة البناءات المختلفة وقد استبشرت خيرا من تغيير في البنية السياسية ولو
بدأ ظلال الأحداث العميقة يؤتي ثماره في اليمن وبدأت حركة التجدد والتحديث تشق طريقها في مسالك وأنسجة البناءات المختلفة وقد استبشرت خيرا من تغيير في البنية السياسية ولو كان نسبيا في المستوى البيني وما يزال نسبيا بل وحصريا على القوى التقدمية واليسارية دون سواها من بقية القوى الناظمة لعقد المنظومة السياسية في اليمن لكن البدايات دائما تبدأ من المستصغرات ثم ما تفتأ تكبر وتتسع لتصبح ظاهرة عامة أو تتحول إلى واقع جديد.
إن حركة الانتقال التي ننشدها للواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لليمن لا يمكنها التحقق في ظل بقاء رموز العمل السياسي القديم في المنظومة السياسية والثقافية محمولات صراعية ومعبأة إلى درجة الانفجار بالحالات الثأرية ولذلك يصبح القول بالانتقال في ظل فاعلية الماضي ورموزه وتحكمه المفصلي في مسارات الحاضر عبثا لا طائل من ورائه فالتغيير لا يمكن حدوثه من الأعلى إلى الأدنى أو بصورة عكسية بل يبدأ مساره من البناءات الأدنى وصولا إلى الأعلى ويمتد من الخاص إلى العام فحالة الانتقال والتغيير تصبح ضرورة واقعية متى اتسعت دائرتها في البناءات الاجتماعية وفي المؤسسات التي تشكل الواجهة المثلى للمجتمع المدني الحديث كالأحزاب والمنظمات والجمعيات والنقابات فالتجدد في تلك البناءات المختلفة في بنية المجتمع المدني قد يفرض واقعا جديدا بل قد يصنع حركة انتقالية وتغييرية واسعة النطاق وذات أثر حضري وثقافي ملموس أما بقاء الحال على ماهو عليه فإن الماضي سيمتد رغم كل التضحيات والدماء التي سفكت وما زالت تسفك في ربوع اليمن وعلى وهادها.
لقد أصبحت المناخات ملائمة في تفكيك البنية الناظمة لشكل البناء المراد تغييره وإحداث الانتقال في نسيجه العام وتجديده وتحديث وظائفه حتى يكون على توافق مع المظاهر الحضارية الحديثة ومثل ذلك لا يحتاج إلا قوة عسكرية أو ثورية بل إلى إرادة ثورية واعية ومدركة لمقاصدها ومحددة لأهدافها تحمل مشروعا نهضويا لا يهدم لمجرد شهوة التدمير وغريزة الفناء بل بهدف إعادة البناء وبقصد التجديد والتحديث في الوظائف وفق مقتضيات اللحظة الحضارية الجديدة فالثورة في مفهومها العام ليست صراعا قاتلا ومدمرا وهداما لمقدرات الوطن وإلغاء للماضي وتراكماته بل هي البناء الواعي الذي يدرك إشكالات اللحظة ويصنع المستقبل.
اليمن منذ عقود مضت ظلت تعاني من تداعيات الفعل الثوري المدمر ولم تتمكن من الصناعة الواعية للمستقبل وحين تكون المقدمات سلبية فالنتائج المنطقية تكون سلبية وتدميرية طبعا إذ إن اشتغال القوى الوطنية كان اشتغالا على تحقيق الأمجاد الذاتية أو الأمجاد التنظيمية والحزبية ولم تكن الأيديولوجيا الناظمة لها ذات منطلقات وطنية بحتة بل كانت الأيديولوجيات مغتربة زمانا ومكانا فالبعد الحضاري والثقافي والخصوصيات الوطنية كانت بمنأى عن التفاعل التنموي والتفاعل السياسي كما أن التحيزات الفكرية والتمترس حول الذات النظريات العامة شكلت عوائق قاتلة للمستقبل الوطني ولذلك ظل الماضي هو الفاعل الحقيقي في صميم التجربة الثورية التي ظلت تشع ثم تنطفئ بسب التحيزات الفكرية وخوف بزوغ الآخر والاستغراق في الأساليب الأمنية القهرية والتمدد في بساط الاستبداد والطغيان تحت غطاء من الشعارات المطاطية كالوطنية والعمالات والقول بالأفكار الهدامة والتقليل من قيمة التعدد والحركة الثقافية النشطة ومن قيمة الفنون باعتبارها تكثيفا لتجارب الأفراد والمجتمعات وسؤالا ثقافيا واجتماعيا وحضاريا فكان التفرد هو الضياع الذي واكب حركة المجتمع الثوري وهو العنصر الأكثر فاعلية وتعطيلا لحركة الانتقال والتغيير.
وفي ظني أننا أصبحنا في الراهن الحضاري الجديد الذي نعيشه أكثر امتلاكا لناصية التغيير والانتقال لوجود ظاهرة التعدد الثقافي والاجتماعي والسياسي وهي حركات ذات قدرات ديناميكية وطاقات إبداعية وابتكارية كبيرة لا يمكن تجاوزها والمحك الذي نحن عليه لقياس معيارية النجاح هو القدرة على إحداث التوازن وتوظيف الطاقات الناتجة عن فعل الاحتكاك السياسي والاجتماعي في صناعة المستقبل الوطني الآمن والمستقر ومثل ذلك لن يتحقق إذا ظلت رموز المجتمع القديم هي الفاعل الأبرز في سماء المشهد السياسي الوطني لذلك فالانتقال يبدأ من تغييرها بكل حمولاتها الماضوية وصراعاتها لنبدأ لحظة جديدة تمتاز بالثقة وبصفاء السرائر وبالتطلع لصناعة الغد الأجمل لهذا الوطن الأجمل.

قد يعجبك ايضا