طوق النجاة الأخير
أحمد الزبيري
الشعب اليمني في غالبيته الساحقة ما يريده هو استعادة الأمن والاستقرار وإحداث تغيير حقيقي إيجابي في وضعه الاقتصادي وأحواله الحياتية المعيشية والخدمية وهذا يتطلب مكافحة جادة وصادقة للفساد والمفسدين وإنهاء كل أشكال الهيمنة والنفوذ وما ارتبط به من مصالح غير مشروعة التي بسببها أثيرت الصراعات وحيكت المؤامرات وأنتجت تحالفا عصبويا إقصائيا مكنته خبرته التي راكمها طوال عقود من إدارة البلد بالأزمات وحروب لا تنتهي كان لها تشابكاتها الداخلية وامتداداتها الإقليمية ونجم عنها انحدار مستمر وصل باليمن وأبنائه إلى حافة كارثة ماحقة لم تنتهى مخاوف الانزلاق إليها حتى الآن.
وهنا يكمن قلق اليمنيون وعدم اطمئنان الكثير منهم إلى اتفاق السلام والشراكة والوطنية لأن كل المبادرات والاتفاقات التي جرت في الماضي سواء قبل الوحدة أو بعدها كانت تنتهي بصراعات وحروب جديدة أو تميع لتصبح حبرا على ورق وتستمر مأساة الشعب اليمني وتتضاعف معاناته التي ترجع إلى فشل القوى السياسية وفسادها لتثبت إما ضعفها أو تآمريتها محولة كل ذلك إلى تكتيكات وقتية متحينة الفرصة المواتية لتنقلب عليها وفي كل مرة لا تعدم بأساليبها التضليلية إيجاد الذرائع والمبررات لارتدادها ونكوصها عن تلك الاتفاقات والمبادرات مستقوية بالنزعات القبلية والطائفية والمناطقية المتخلفة وبالنهب لثروات الوطن ومقدراته وحتى تلك التي تأتي من الخارج تحت بنود المساعدات والمنح والقروض مراكمة ثروة هائلة استثمرتها بالماضي لافتعال الأزمات وإدارتها لتحقيق المزيد وهي مستمرة في هذا النهج وستستمر خاصة وقد برزت أسباب إضافية أفرزتها أحداث السنوات الأخيرة غير مبالية أن ذلك في غير صالحها ومصلحتها الحقيقية الأكيدة في أن تترك هذا الشعب الذي لم تحترمه ولم تقم له وزنا معتبرة أن شرعيتها تستمدها من الخارج اعتقادها أن وجودها في السلطة يعطيها وظيفة حماية مصالح تلك القوى الإقليمية والدولية – بعد أن تركها لشأنها مجسدا أقصى درجات التسامح معها لكن على ما يبدو أن همجيتها وعنجهيتها واستكبارها تمنعها عن الفهم الصحيح لطيبة هذا الشعب الذي نفد صبره وآن الأوان لتعي أنه إلى هنا وكفى.
اتفاق السلام والشراكة الوطنية في معانيه ومضامينه يفتح آفاقا للأمل والتفاؤل بأنه سيضع حدا لمعاناة وعذابات أبناء اليمن وهناك الكثير من العوامل في الواقع تدعمه إلا أن هذا التفاؤل ليس إلى ذلك الحد -حتى الآن- المبدد للمخاوف والقلق والمعيار بالنسبة للمواطن اليمني هو الالتزام من كل الأطراف وسرعة التنفيذ وفقا لمدده الزمنية بحيث لا يكون هناك إمكانية لأية قوى الانقلاب عليه أو التنصل منه أو تمييعه فهذه المرة ينبغي على كل المكونات السياسية والاجتماعية والحزبية تغليب منطق العقل والحكمة والاصطفاف من أجل تنفيذه لأنه طوق النجاة الأخير.