الشاعر يحيى عوض معلم الأجيال والوطن والحب
علوان الجيلاني

عند مطلع السبعينات من القرن الماضي تحديدا في تاريخ 24 / 4 / 1971م انجز الشاعر يحيى عوض درته الخالدة ” أنا المعلم “:
أيقظت على زندي الفجرا
وحملت إلى الدنيا البشرى
وسفحت نضارة أيامي
كي أزرع حقلا في الصحرا
ومشيت وجرحي في كبدي
يتنزى.. أستبق العمرا
لا أخشى إلا أن أفنى
والبذرة لم تطلع زهرا
وبجسمي قطرات دماء
قد تصلح زيتا أو حبرا
عمري ¿ أتمنى لو أدري
كم من سنواتي مرا
لا أذكر إلا أن يدي
قد صنعت من رمل تبرا
وأمرت سحر أناملها
بالصخر فأنطقت الصخرا
وتسامت فالدنيا أمل
يندى ..وشموس تتعرى
والجدب جنان وارفة
والفقر فراديس خضرا
والبؤس رخاء تتمطى
الآمال بعينيه سكرى
واليأس طموح خلاق
لا يعرف عسفا أو قهرا
كم ليل عشت مقاطعه
استلهم أنجمه السهرى
كلمات أوبعض حروف
أنظمها شعرا أو نثرا
أكتبها بدمي ..بدموعي
أعصر روحي فيها عصرا
كي أصقل عقلا ..أو أهدي
روحا كانت تبدو حيرى
وأضيء لجيل مسلكه
في درب مسيرته الكبرى
كم يوم أفنيت ضحاه
كي أنقش في صخر سطرا
وأقوم غصنا معوجا
وأشذب أغصانا أخرى
وأصارع كي أفني شرا
أو أنزع عن قبح سترا
أحترق لأشعل مصباحا
يهدي في الظلمات الفكرا
ذقت الحرمان ولم أشك
لم أضجر .. لم أفقد صبرا
وسقيت المر ولم آبه
لم آنف أن أشرب مرا
ولقيت صنوفا من عنت
من دهري فعذرت الدهرا
وطويت حشاي على سغب
ورضيت ولم أضمر غدرا
قدماي ارتختا من تعب
أصبحت أجرهما جرا
ويدي ما عدت أحركها
مما عانت إلا قسرا
وعيوني غار الضوء بها
فصباي على ضعفي انتحرا
واحدودب ظهري يا ويلي
هل زرعوا في ظهري صخرا
ووفيت لآمال بلادي
وحملت أمانيها حرا
وسأمضي أكثر إصرارا
لأداء رسالتي الكبرى
أحتضن بيمناي يراعي
وأشيل الشعلة باليسرى
ميداني الفصل ..وأمتعتي
الكلمات أشعشعها نورا
وسلاحي ..إيمان بغد
نحيا فيها اليمن البرا
يمن العرفان جوانبها
يكسوها الحب رؤى خضرا
يمن الإنسان فلا مرض
نخشاه ..ولا نشكو فقرا
فإذا ما كرمني قومي
أو أحيوا لجهادي ذكرى
أو هتفوا باسمي واعتزوا
بنضالي ووفوني شكرا
فلأني كنت ليقظتهم
رمزا .. ولموكبهم جسرا
وسأمضي أكثر إصرارا
لأداء رسالتي الكبرى
والنص الذي تعمدت إيراده كاملا من أهم النصوص التي كتبت في المعلم ورسالته الخالدة على مر التاريخ.. وإذا كان أمير الشعراء أحمد شوقي قد تحدث عن المعلم وأهمية تقدير رسالته في قصيدته الشهيرة :
قم للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
فإن المعلم هو الذي تحدث عن نفسه ورسالته في قصيدة الشاعر يحيى عوض .
لقد تحدث شوقي بلغة الحكيم العاقل المقدر بالتأكيد لهذه الرسالة المقدسة وهو يدعوالناس إلى احترامها واحترام من يقوم بها ..أما عوض فقد كان هو الرسالة ذاتها بقدسيتها وجلالها .. بتعبها ومعاناتها ..فهو الراوي وهو السيرة والحكاية والحبكة والمواقف كلها .. أما الفارق الأهم بين النصين فهو بالضبط الفارق بين الشاعرين وظروفهما ..فقد كان شوقي مصريا قاهريا وكان سلطة أيضا ومعنى ذلك أنه مركز داخل المركز المصري الذي هو بدوره مركز المراكز العربية كلها وكل بيت شعر يتفوه به يطير في مشارق الأرض ومغاربها ..
أما يحيى عوض فهو شاعر كبير لكنه ليس مركزا كما أنه لا يسكن في المركز اليمني – أعني العاصمة – حيث الأضواء والتكريس الإعلامي وهو كيمني يعد من أبناء الهامش العربي ..أي أنه مهمش يعيش في هامش داخل بلد مهمش …
رغم كل هذا فقد ملأت شهرة قصيدته “المعلم” أرجاء اليمن وحفظها الأدباء والمثقفون والمعلمون والطلاب
وبقيت طازجة الحضور عقدا بعد عقد .. وستظل غصبا عن وزارة التربية والتعليم التي لم تحاول وضعها في مناهجها ولا حاولت تقدير شاعرها حق قدره ..مع أن عشرات المسؤولين عن الوزارة في صنعاء قد سمعوها بالضرورة مرارا وتكرارا على الأقل حين يحضرون مناسبات يوم المعلم ممثلين لوزارتهم في زبيد أو الحديدة ..
قصيدة عوض من ذلك النوع من الإبداع الشعري الذي يزداد اشعاعا بمرور الزمن ويجد كل حين لنفسه أسباب تقديم مختلفة فقبل سنوات تصدى الفنان عارف فقير لتلحينها وشارك في أدائها طلبة من مدارس عدة في أرجاء زبيد وع