حمل السلاح بين الأمس واليوم
يكتبها: علي بارجاء
المرة الأولى التي تمس فيها يداي البندقية الآلية (الكلاشنكوف) كان في سنة إحدى وثمانين وتسعمائة وألف حين التحقت بالخدمة العسكرية الإجبارية بعد الانتهاء من الثانوية العامة, حينها وعلى مدى عامين ونصف أحسست أني أتعامل مع آلة غريبة عن تربيتي وثقافتي ومجتمعي. الطامة الكبرى أننا أثناء التدريبات على الرماية كنا نخطئ التسديد ولا نصيب الهدف. كان الضباط والصف الذين نتدرب على أيديهم يسخرون منا, ويعيروننا بأننا من المتخرجين في الثانوية فكيف لا نستطيع استخدام السلاح وإصابة الهدف¿ كنا نستغرب كثيرا كيف يفكöر هؤلاء وكأنهم لا يعلمون أن التدريب على السلاح ليس من المقررات الدراسية في الثانوية ولكنهم لا يفقهون. كنا في دولة أبرز ما يميöزها أنها دولة نظام وقانون يسريان على الجميع وكان اقتناء وحمل السلاح ممنوعا بل محرما إلا لمنتسبي الأمن والقوات المسلحة وحتى هؤلاء لا يحملون السلاح إلا أثناء العمل وأثناء أداء الواجب وإلا فكل منهم يودöع سلاحه وذخيرته في خزينة معسكره حين يعود إلى بيته أو يذهب في رخصة قصيرة أو إجازة. كنا نشاهد من نعرفهم من العسكريين في حياتهم المدنية وهم بلباس مدني ومن غير سلاح يتجولون في الأسواق ويصلون في المساجد ويتنزهون هم وأسرهم فلا نصدöق أن هؤلاء ممن ينتمون إلى الأمن أو القوات المسلحة. هكذا هي الحياة المدنية خالية من أي مظاهر عسكرية, على الأقل داخل المدينة وبين أوساط الناس. كنا قد تعلمنا أن معسكرات الجيش لا تكون إلا في الحدود أو قريب منها أو في النقاط التي تشكöل حماية للمدن. وأن الحاميات أو المؤخرات التي في المدن لا يوجد فيها إلا فöرق قليلة للحراسة لأنها مجرد معسكرات للاستقبال والترحيل والتموين وممارسة العمل الإداري ونقاط تواصل بين العسكريين ووحداتهم العسكرية.
اليوم نرى المظاهر العسكرية تزاحمنا في أسواقنا وفي اجتماعاتنا بل في مساجدنا. بل يحمل الجندي سلاحه حتى وهو خارج الواجب وحتى وهو يرتدي لباسه المدني بل حتى وهو عائد إلى بيته في ساعات راحته أو في إجازته.
من أي نظام عسكري في العالم أخذنا السماح للجندي أن يتجول بسلاحه وهو خارج الواجب¿ وهل فعلا يوجد ذلك في جيوش العالم أو أن هذا تجاوز وبدعة يمنية¿! لا أعتقد أن هذه الظاهرة حديثة عهد وسمöح بها بعد أن أصبح العسكريون مستهدفين وبخاصة في السنوات الأخيرة فهذه الظاهرة وجدت بعد الوحدة مباشرة بمعنى أنه لم يتم الأخذ بالنظام الأفضل الذي كان موجودا في الجنوب في هذا الأمر.
بالنسبة لموقفي من حمل السلاح فإني أرى أن (حامل السلاح قاتل مؤجل), إلا إن كان من العقلاء, وقليل ما هم. والإنسان عند الغضب وفي حال العراك قد يتحول إلى وحش فإذا كان بيده سلاح فسرعان ما يستخدمه بوعي أو بغير وعي حينها تحدث الكارثة والشواهد على ذلك من الحوادث كثيرة. وإذا كنا لا نريد أن يحمل العسكري سلاحه إلا وهو في الواجب فكيف نرتضي أن يسúمح للمدنيين بامتلاك السلاح والتجول به في حين ينبغي أن نطالب الدولة أيضا باتخاذ قرار بمنع حمل الجنبية إلا بعد أن تثبت وتلحم في غمدها كما هو الحال في سلطنة عمان الشقيقة طالما أنها تلبس لمجرد الحفاظ على المظهر والزي اليمني الأصيل.
كل مشكلات اليمن تنتهي إذا منع فيها اقتناء وحمل السلاح والتجول به, فهو الوسيلة التي يستقوي بها حتى الضعفاء على الدولة وعلى المجتمع.