الحكمة اليمانية لا تصنع غير السلام
فتحي الشرماني


يخطئ من يزعم أن هذا الوطن قد غرق في بحر من الطيش والجنون بفعل التصرفات الرعناء لبعض أبنائه .. لنثق جميعا بأنه لا يزال هناك الكثير من العقلاء والحكماء الذين يستطيعون أن يخرجونا من هذا المأزق بسلام, كما خرجنا من مآزق سابقة بلغت فيها القلوب الحناجر, إذ لابد للمكرمة النبوية (الإيمان يمان والحكمة يمانية) من أن تتغلغل في الوعي الجمعي كلما أوغل صناع الأزمات في تهييج النفوس وبعث النزعات المهلكة وجر النخب السياسية والاجتماعية والثقافية إلى التخندق ضد بعضهم والاستعداد للتضحية بالوطن والمكاسب الوطنية في سبيل قهر الآخر.
لقد علمتنا هذه الأزمة أننا في بلد لا يمكن أن ينساق إلى العنف بسهولة, مهما كان حجم الاستفزاز .. وأراني اليوم معنيا بالحديث عن دولة قد يجمع الكل على أنها ضعيفة وغير حاضرة وفي مرمى العنتريات التي تحرجها أمام العالم, لكن لا مانع لدي أن أكون أنا الوحيد أو من القلائل الذين يقولون: إنها دولة راشدة بما لديها من إصرار على تكريس منطق السلم والصبر بين كل اليمنيين الذين تشخص أبصارهم إليها أو يتجمعون وراءها يسترقون النظرات إلى الواقع بانتظار ما سيحدث, حالهم كحال أطفال يحتمون بأمهم من خطر يترقبونه ولهذا فليس هناك ما هو أروع لكم أيها اليمنيون من أن تشدوا أزر أمكم/ الدولة وتثقوه بقدرتها على تجنيبكم شر ما يراد لكم لا لشيء إلا لأنها تريد لكم السلامة وتعض عليها بالنواجذ, على الرغم مما تعانيه من أوجاع وأمراض قد لا تتعافى منها بسهولة.
اليوم حال الدولة يقول: إن تسعة أعشار الحلول في السلم وعشرا واحدا في الحرب, والبطولة الحقة في هذا العصر أن تنجح في تعريف خصمك بأنك ليس ممن له هوى في العنف, وأن العنف لغة لا تجيدها, وأن لديك الثقة بأن تكون صانع سلام, وتجبر الخصم على الدخول في هذا السلام وهو له من الكارهين.
وأما الاصطفاف الوطني الذي تجري فعالياته مع نشوب هذه الأزمة فليس بالأمر الهين لأنه تجسيد لإرادة شعب يقول: نريد أن نعيش بهدوء واستقرار كما تعيش كثير من شعوب الأرض, على الرغم من أنها قد تكون أكثر منا أزمات ومشكلات.
والاصطفاف, إلى ذلك, إحياء لثقافة التعايش وتمسك بوحدة النسيج الوطني وحق الدولة في أن تحفظ أمن مواطنيها وتبسط سيادتها على كافة أراضيها, فلا نجاة في التشرذم ولا مستقبل في ظل العنف, ولا دولة مدنية في ظل السلاح.
ولربما يكون من يحملون السلاح اليوم قد استوعبوا كثيرا من الدروس, وأصبحت أفكارهم وأحلامهم في طريقها الخفي إلى النضج والمراجعات وإن ظلوا مصرين على أن يكون السلاح على أكتافهم.
