في انتظار لعنة الفناء
جميل مفرح
كلما قلنا عساها تنجلي.. قالت (الأوضاع) هذا مبتداها.. أكاد أجزم أن هذا هو وضعنا في هذا الوطن الذي ما إن يلتئم في أوصاله جرح حتى تنفتح جراح أشد إيلاما وأبلغ فعلا في هذا الجسد الذي بتنا نخشى عليه الاهتراء وانعدام طاقات التحمل التي تستنزف من يوم لآخر ومن لحظة لأخرى.
أربع من السنوات والجراح ما يستطيع الوطن قوله والآهات ما يجيد ابتكاره واعتباره منجزنا اللحظي الأوحد أربع من السنوات والخوف والقلق صفتنا التي يمكن الإجماع عليها والمراهنة عليها.. ونحن كلما شهقنا خشينا ألا نزفر وإذا زفرنا لم نتأكد من أننا سنعود ونشهق!!
حالة بل حالات من الإرهاق وموجات من الإعياء الذي يغشانا ويحدق بأرواحنا, وكأن أقدارنا حتمت علينا منذ الأزل أن نظل نهبا متاحا لعواصف الأحداث تأخذ متى شاءت إلى أين تشاء وترمي بنا كيفما تشاء لا يمها إن وقعنا على رؤوسنا أو إن كان ما تحتنا بطحاء أو جرداء.. ومع ذلك نقع ونجرح وننهض مجددا لتضمد جراحاتنا وكلنا آمال أن ثمة ما يستحق أن نتشبث بما يمكن أن نعتبره أملا مشرقا وإن كان بصيصا أو خيال بصيص.. عذابات نتجرعها ليس رغما عنا وحسب بل وأيضا تحت رعاية رضانا وإيماننا بفكرة الأقدار والمصائر المحتومة!!
أربع من السنوات تقريبا وكنا ونحن على حوافها قد استطعنا أن نلتقط نفسا عميقا مر وكأنه طيفا من حلم على الرغم من كل ما تكبدناه وتكبده الوطن من عذابات ممعنة في الإطالة والتعميق في مشاعرنا ومخاوفنا التي لم يقدر لجذوتها أن تنطفئ فنقفل أبواب تلك الجراح المفتوحة على مصاريعها لكل هوام الظروف والمتغيرات ووحوش الفجآت والبغتات التي تعودنا على مداهمتها أو احتمال مداهماتها لكل لحظة من لحظات وجودنا.. تعبت منا الظروف وعيل الصبر منا ونحن نصر على أن نظل وقوفا ونؤكد على أن ثمة ما يستحق التحمل وقد يكون فرجنا وفرج وطننا في اللحظة التالية للحظة التي نعيشها!!
هكذا نعيش لحظاتنا وساعاتنا وأيامنا في وطن يستحق أكثر مما نهيئ له بين اللحظة والأخرى من الخذلانات المريرة والخسارات الفادحة التي نقذفها في وجهه ثم ندعي أن الأقدار كانت وسيطا بيننا فأخذت منا ما لا يستحق لتعطيه وتهديه بينما كنا نهيئ له ما يليق به من تصرفاتنا ونزواتنا ومطامعنا التي تعجز عن إدراكها الحدود والكفايات..
إنها لعبة محرمة مكروهة نمارسها بلذات متناهية وإن خسرنا فيها ما خسرنا.. نقامر ونراهن ونزايد بوطن كبير كما نراهن بقطعة نرد أو ورقة يا نصيب.. ثم تأتي المصيبة الكبرى وتتجسد حين نجد أنفسنا أكثر إدعاء ومزايدة بالولاء والوطنية والوفاء والتضحية من أجل هذا المدعو وطن!!
هل استمرينا ما يحدث لنا من عذابات وما تنفتح فينا من جراحات وما يصيبنا من خيبات وخسارات لنستمر فيما نحن فيه من لامبالاة ومن انتحارات متوالية نستعذب فيها بالاحتضارات كما نتلذذ بإطباق أكفنا وأظافرنا في خناقنا نتخيل تكشيراتنا المرعبة في وجوهنا فنبتسم وكأننا نعاني من علات الوجود النفسية والعصبية بكاملها!!
أهكذا نحن¿!
نعم برأيي أعتقد أننا نبدو كذلك ونحن نسوم وطننا وأنفسنا أسوأ الولاءات ونقدم في سبيل ذلك أبشع التضحيات حسنا.. ما الذي يدفعنا لاقتراف وتجرع ذلك¿!
لا ندري!! نبدو كأشر ما يكون ونتلبس أمام أنفسنا صفات الدعة والمظلومية.. نخون أنفسنا ونطلق لألسنتنا العنان في فضاء المقت واللعن للخيانات ونلتقط المياسم لنكوي أنفسنا ونستدعي الحاضر والماضي ليكون شاهدا على مظلوميتنا وعلى احتمالنا وعلى صراخنا ونحن نضع أحمرار المياسم على أوصالنا المهترئة.
نعم إننا نكاد أن نسقط على وجوهنا.. يكاد الإعياء الذي نقدره على أنفسنا أن يعلن عن اقتراب ارتطامنا الأخير بأنفسنا ولكن هل من الممكن أيضا أن ندرك ما نحن فيه¿! لا أظن وإن كان ذلك الاستيقاظ متأخرا لا جدوى منه بعد أن ترتطم رؤوسنا ببعضها ارتطاما أخيرا لا نجاة من ورائه ولا حاصل له من نتيجة سوى الفناء.. الفناء الملعون!!.