الدوام الرسمي 50 درجة تحت الصفر
د/عبد الله الفضلي
بالمصادفة وحدها وفي زيارات مفاجئة وغير معدة مسبقا أجد نفسي في معظم أيام الأسبوع أزور أكثر من جهة حكومية سواء أكانت وزارات أو هيئات أو مؤسسات أو مصالح حكومية وذلك بغرض المراجعات أو زيارات خاصة حيث لا أجد في كل هذه الهيئات والوزارات إلا 10% من الموظفين المتواجدين داخل مكاتب هذه المؤسسات والوزارات ومعظمهم من صغار الموظفين أما القيادات الإدارية وهم القدوة الحسنة فغير متواجدين في إداراتهم وحينما تسأل أحد الموظفين عن المدير العام أو الوكيل أو رئيس المؤسسة أو رئيس الهيئة يكون الرد دائما : إما أن يكون مسافرا في الخارج أو أنه في إجازة أو أنه مريض أو أنه قد ذهب إلى وزارة كذا أو مصلحة كذا, وإذا كان أحد هؤلاء القادة متواجدا فمكتبه مغلق وعنده اجتماع هام قد يستمر لساعات أو أن عنده ضيوف أو زوار .
* وهكذا تتعثر المعاملات وتتراكم وتضيع حقوق الناس كما تضيع أوراقهم ومعاملاتهم ويتأخر إنجازها لشهور طويلة بين أدراج المكاتب وملفات المسئولين .
* أما من حيث الحضور المبكر والتوقيع على حافظات الدوام فحدث ولا حرج فأول موظف يصل إلى مقر عمله عند الساعة 9 صباحا بمن فيهم المسئول عن حوافظ الدوام, وهات يا تسهيلات وتنازلات وتغاظي وتغافل ومجاملات, وآخر موظف قد يصل إلى مقر عمله عند الساعة العاشرة أو الحادية عشرة صباحا, وحينما تساءل أحد هؤلاء عن سبب تأخره عن الوصول إلى مقر العمل يرد قائلا وببرودة “والله راحت علي نومة”, أو كنت في المستشفى مع ابني أو ابنتي أو كنت مع الوالد أو الوالدة في المستشفى أو كنت في وزارة كذا أو مصلحة كذا أراجع عن الحافز أو الترقية أو أي عذر آخر وطبعا يدعمم مسئول التوقيعات أو المدير المباشر ويسمح له بالتوقيع تحت أعذار واهية ومختلقة .
* وما يلبث مثل هؤلاء الموظفين في مكاتبهم إلا لبعض الوقت ثم انصرفوا من مقر أعمالهم قبل انتهاء الدوام الرسمي وبالتحديد عند سماع أذان الظهر وقد هرولوا جميعا إلى سوق القات وبالتالي لم يقوموا بعمل أو إنجاز أي معاملة أو عمل رسمي مكلفين بإنجازه مقابل المرتب الشهري الذي يتقاضاه مجانا, وهكذا نجد أن معظم المكاتب في الدوائر الحكومية مغلقة وبعضها مفتوحة وخاوية على عروشها .
* وهذا ما شاهدته بنفسي في أمانة العاصمة يوم أمس الأول حيث قمت بالمرور على كل مكاتب الأمانة في الطوابق الأربعة أبحث عن مكتب الوكيل لقطاع النظافة وكانت المفاجأة أن قطاع النظافة ليس متواجدا بالأمانة وإنما قيل لي أنه في شارع الستين وليس هذا فحسب بل لم يصدر قرار بتعيين وكيل جديد لقطاع النظافة وهنا عرفت سبب تراكم القمامات وانتشار القراطيس والأكياس في شوارع العاصمة وبصورة لافتة للنظر منذ نهاية شهر رمضان الكريم حتى كتابة هذه الأسطر حيث اختفى المنظفون وغابوا عن الشوارع وتراكمت الأكياس والقراطيس وقوارير المياه والكراتين في الشارع وتعد شوارع الحي الزراعي خير شاهد على واقع النظافة وترديها .
* المهم أني وجدت 90% من المكاتب في الطوابق الأربعة خالية تماما من الموظفين إلا من بعض أفراد السكرتارية وقد اقتصر الزحام على مكتبين اثنين هما مكتب أمين العاصمة والأمين العام للمجالس المحلية . وما ينطبق على أمانة العاصمة من عدم انضباط الموظفين ينطبق أيضا على الدوائر الحكومية الأخرى فالانضباط الإداري والوظيفي مفقود بنسبة 70% وأن معظم موظفي الدولة البالغ عددهم أكثر من مليون موظف في أجهزة الدولة يسرحون ويمرحون بكامل حرياتهم لا حسيب ولا رقيب والكل مسرور ومبسوط لأن لا متابعة ولا عقاب .
فمن المسئول عن هذا التسيب وإهدار المال العام على موظفين متسيبين وغائبين, هذا إضافة إلى غياب آلاف الموظفين غيابا قسريا وإجباريا تم إقصاؤهم من وظائفهم وفقا لقاعدة “خليك في البيت” .