ما هو الوعي¿.. وكيف يتكون¿
د. أحمد حمود المخلافي
هو شعور الإنسان بنفسه وبما يحيط به.. فهو حالة عقلية يقظة يدرك فيها الإنسان نفسه وعلاقاته بما حوله من مجتمع ومكان وزمان وتستجيب للمؤثرات البيئية استجابة صحيحة.. والتفكير وحده لا يشكل وعيا.. لأن حقيقة الوعي هي محصلة عمليات ذهنية وشعورية معقدة يؤثر فيها الحدس والخيال والمشاعر واللغة والمبادئ والقيم والمفاهيم والمعارف وكل ما نكتسبه من نظم تفكير وكل ما مر علينا من تجارب في الحياة وعلى الأخص التي نجربها ونكتشفها بأنفسنا.. ويبدأ يتشكل الوعي وفقا لتراكمات هذه المكونات وتخزينها في العقل حتى تصل إلى مرحلة تتحول كيفيا لتصقل شخصية الإنسان وتنضجها.. وقوة الوعي تحتاج إلى طاقة لاستخدامه في البحث عن طرق لتنفيذ الأهداف التي نريد تحقيقها..
لذلك يختلف الوعي من شخص لآخر باختلاف بنية وطبيعة مكونات هذه النظم.. ويعد النقاش أحد وسائل استخدام الوعي.. ولذلك إذا اتفق طرفا النقاش في المعرفة فسيختلفان في المفاهيم.. وإن اتفقا في المفاهيم سيختلفان في المبادئ أو في طرق تفكيرهما وتصوراتهما للموضوع.. ومع ذلك فكلما حسنا مكونات وعينا كلما زاد تحسن وعينا ورؤيتنا للحياة وتقارب وجهات النظر..
ومن وسائل وسبل تحسين الوعي استخدام الحواس الخمس (نظر لمس شم تذوق وشم).. السؤال.. التأمل.. الحدس.. النقاش.. الجدل.. التدبر.. التعقل.. البينة.. الدليل.. البرهان.. وكل هذا يحتاج إلى بذل جهد لفهم الواقع بكل تفصيلاته الدقيقة واكتشاف العوامل المحيط المؤثرة المتفاعلة والمتناقضة ودرجة ونوع ومستوى تأثيرها وتناقضاتها.. واكتشاف طرق فهمها وكيفية تسخيرها في خدمة الإنسان والمجتمع.. والمعرفة هي استثمار مهم لتشكيل الوعي الذاتي.. ولابد أن تقترن بالتجربة واكتساب الخبرة بكل ما يتعلق ويتصل بالواقع..
لأن الإنسان في الحقيقة يعيش بين واقعين (عالمين): العالم الأول هو الواقع الذي بداخلك والذي يتجسد في أفكارك.. انفعالاتك.. توجهاتك. والعالم الثاني هو الواقع الخارجي الذي يتمثل في الأشخاص.. الأماكن.. الأشياء.. والأحداث..
وبسبب الإخفاق في الفصل بينهما يتغلب ويسيطر العالم الخارجي علينا ويصبح عالمنا الداخلي مجرد (مرآة) تعكس كل ما يمر بنا ويستجيب للعالم الخارجي بشكل مستمر.. وهنا نكون قد أهدرنا كل الوقت في الاستجابة له ولا نتيح فرصة لإطلاق طاقاتنا من خلال البحث والتنقيب في الداخل عما لدينا من قيم ومبادئ ومفاهيم وأفكار تؤثر في سيرنا..
وبالمقابل أيضا لدينا معارف غير صحيحة وطرق تفكير غير موضوعية نمارسها ومنها نطلق أحكامنا.. لأن الجهل المركب هو حالة مكثفة من الجهل لا يعلم الجاهل جهله بها.. لذلك نحن بحاجة إلى تقييم وتقويم كل ذلك بالمزيد من بذل الجهد في تطوير وتحسين استخدام وسائل الوعي والحصول على المزيد من المعرفة.. وألا نكتفي بما توصلنا إليه بل نستمر ساعين لتزويد مداركنا باستمرار بكل جديد لكي نخطو خطوات صحيحة نحو وعي ذاتي مثمر.
* المرجع الأساسي: عادل آل عواض إيقاظ الوعي مكتبة الملك فهد الرياضط 1 2011.