“غزة”.. تنتصر للعروبة المفتتة بالربيع

محمد محمد إبراهيم

 - إنما يجري في "غزة" انتصار قومي جديد تسجله فصائل المقاومة الفلسطينية على أرض الواقع لقد لاحت بشائره الأولى عندما أعلن الفلسطينيون اتفاقية المصالحة بين فتح وحماس في ابريل الماضي
إنما يجري في “غزة” انتصار قومي جديد تسجله فصائل المقاومة الفلسطينية على أرض الواقع لقد لاحت بشائره الأولى عندما أعلن الفلسطينيون اتفاقية المصالحة بين فتح وحماس في ابريل الماضي لتصاب دولة إسرائيل المحتلة بصدمة أخرجت قياداتها العسكرية والميدانية عن طور النفاق الدولي والمراوغة الوهمية بسلام ومفاوضات لا يمكن لها النجاح والاحتلال الإسرائيلي كل يوم يتوسع في الاستيطان والعدوان على كل ما هو إنساني من أمن ومقدسات وأراض كلها في ملكية وفي أحقية الفلسطينيين على مر التاريخ.. حيث أعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان اتفاقية المصالحة الفلسطينية نهاية لعمليةa السلام في المنطقة.. وكما لو أن إسرائيل جادة في صناعة السلام المزعوم..
اليوم يتضح أن كل ذلك الخوف والسخط الصهيوني من اتفاقية المصالحة كان هو مؤشر الهزيمة الأول ليؤكد ذلك الموقف لكل عربي ومسلم غيور أنه لم يكن لإسرائيل البقاء أسبوعا واحدا على الأراضي الفلسطينية ومقدسات الأمة العربية والإسلامية في ظل وحدة الموقف الفلسطيني تجاه وجود كيان الاحتلال فما بالنا من موقف عربي موحد تجاه هذه القضية المحورية- قوميا وعقائديا وتاريخيا-التي تعرضت طيلة مراحل تاريخها الطويل لمؤامرات كلها كانت تصب في تفتيت الموقف العربي الداخلي وإلا لما شعرت إسرائيل بالخطر بمجرد إعلان اتفاق المصالحة بين فتح وحماس..
إن العداء التاريخي الذي تكنه إسرائيل لكل ما هو عربي ومسلم في المنطقة وتعززه بالاعتداء المتكرر عبر حقب التاريخ على موطن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين يعيد الآن- في “غزة” المأهولة بالنساء والأطفال- أهم صوره البشعة من خلال ما تنقله الفضائيات للعالم من مشاهد آلة القتل والتنكيل للشعب الفلسطيني وعلى مرأى ومسمع من العالم..
يأتي هذا العدوان الغاشم والظالم في الوقت الذي تجد الأمة العربية والإسلامية فيه تتراشق الاتهامات والأحكام والمبادرات التي لا تجدي وتفيد وقد أثبتت الأحداث والتاريخ عجز هذه المبادرات والمفاوضات منذ الأزل. إذ لم يحدث أن عادت فلسطين والقدس إلى حاضرة الدولة الإسلامية وإلى الأمة العربية بالسلام والمفاوضات والمواثيق. بل كانت تستلب بالقوة وتستعاد بالقوة ووحدة المواقف والتضحيات العروبية والإسلامية منذ فجر الإسلام..
والأهم من ذلك أن معطيات التاريخ تؤكد بلا شك أن السلام على طول تلك المراحل التاريخية في هذه البقعة ظل مرهونا بقوة الدولة الإسلامية التي تحترم المواثيق وتقبل بالآخر وتتعايش مع الأديان الأخرى وليس العكس مع دولة كإسرائيل تنكث ولا توفي بعهودها تقتل ولا ترحم وتفسد ولا تصلح.. والدليل على ذلك ما ترتكبه إسرائيل اليوم بحق إخواننا في غزة لتقتل الرضع والنساء وتهلك الحرث والنسل وفق معركة تساندها أحدث قوة عسكرية في الشرق الأوسط..
السؤال الأهم لماذا هذا التوقيت وبهذه الفجاجة ..¿.. بلا شك أن العرب يدركون جيدا إجابة هذا السؤال أن هذا العدوان يأتي بعد فترة وجيزة من الربيع العربي الذي أسهم في تشرذم وحدة الموقف العربي والدليل على الذلك المناكفات والمزايدات التي نسمعها عبر وسائل الإعلام بين الأنظمة العربية والإسلامية وبين قوى ما بعد الربيع وما قبله وما سقط فيه وما صمد رغم الدماء التي سفكت دون الإحساس بما يجب أن يكون من وحدة الموقف العربي تجاه الآلة الصهيونية التي تدمر غزة منذ ما يزيد من عشرين..
إن هذه الحرب الظالمة بقدر ما هي فرزا جديدا للقوى الربيعية وغير الربيعية التي تقتتل على خارطة الوطن العربي والإسلامي.. كفيلة أيضا بأن تنهض القيادات العربية الناشئة والصاعدة والمشغولة بالدفاع عن السلطة أو الترتيب لها وأن توجه كل ضغوطها وأساليب تحايلها الداخلي والعربي/العربي باتجاه العدو المشترك للأمة العربية والإسلامية.. وأن ينسوا خلاف الربيع العربي أمام القضية المصيرية لكن يبدو من المواقف العربية المخيبة للآمال أن الربيع العربي قد حقق هدف التفتيت لقضية العروبة المحورية.. لتبدو إسرائيل -رغم تصرف قاداتها المرتعش – على ثقة من أن الربيع العربي قد يشكل فرصتها المماثلة لما حظيت به عقب الثورة العربية الكبرى..
وأخيرا .. ومع هذا يبدو من الجلي والداعي للفخر والاعتزاز أنما حققه الفسلطينيون حتى اليوم من الصمود العجيب والأسطوري أمام أحدث تكتيك عسكري وترسانة حربية جوية وبحرية وبرية يعد انتصارا تاريخيا غير مسبوق على مر العصور خصوصا إذا قارنا وسائل الحرب القديمة بما يجرى اليوم في أجواء غزة الأبية والعصية على السقوط مهما كان الثمن.. ف

قد يعجبك ايضا