انفلات إعلامي!
حسين محمد ناصر
كان الخطاب الإعلامي في إحدى الدول العربية الشقيقة في حقبة زمنية مضت هو الإطار والاتجاه العام لكثير من مثقفي وإعلاميي العرب وكانت مفرداته هي السائدة في لغة حركة التحرر العربية.
كان داعيا للاستقلال مناهضا للاستعمار بكل أنواعه ومسمياته مؤيدا للسلام ومفندا لنظريات الاستغلال ومؤامرات الصهيونية.
إن أطل أحد أقطابه عبر الأثير حرض وأجج مشاعر العرب ووجههم إلى التراص والوحدة العربية والوقوف ضد مخططات الأعداء وندد بممارسات العدو الإسرائيلي وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني الشقيق.
هكذا كان خطاب الدولة الشقيقة بالأمس قبل سياسات الانفتاح والخصخصة وإطلاق الفضاءات الإعلامية دون قيود ورقابة تصون أمن وحريات وعقائد وأخلاق الناس وتحمي سيادة الوطن من أية تسريبات تستهدف كيانه ومرتكزات الوعي الجمعي وضميره الوطني وتاريخ كفاحه الوطني وعمق وأواصر علاقاته العربية والإسلامية ومعاداته للأعداء المتربصين.
لقد وصل الأمر بأحد المهرجين الإعلاميين إلى الظهور على الشاشة الفضائية التي يملكها ويقول أمام الملايين من المشاهدين دون حياء أو واعز من ضمير وطني أو ديني أو أخلاقي ويقول (إنني ارفع قبعتي لإسرائيل وجيش إسرائيل وقادة إسرائيل.. انتم رجال)!!
قال هذا بالأمس معلقا على اعتداءات الجيش الإسرائيلي على شعبنا الفلسطيني في غزة!!
لم تهزه صور الشهداء الأطفال والشيوخ الذين قتلتهم إسرائيل!!
لم تؤثر فيه دموع ومناشدات وأوجاع الفلسطينيين في هذا الشهر الكريم والذي تدمر منازلهم ومزارعهم آلة الحرب الظالمة!!
إذا لم يتحدث الإعلامي العربي اليوم عن وحشية إسرائيل وجيشها فبماذا عليه أن يتحدث¿!
إذا لم يدن تلك الممارسات والجرائم التي يشاهدها هذه الأيام بأم عينيه.. فماذا سيدين.. وماذا سيكتب¿!
إن المجاهرة بتأييد قتل الأشقاء الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية تعد خيانة للوطن الذي قتلت إسرائيل من أبنائه الكثير وخيانة لشهدائه وزعمائه الكبار الذين قضوا حياتهم في سبيل تحرير الأرض المحتلة من دنس الاحتلال.
ولم يدر في خلد أحد أن يكرس إعلامي يوما ما قناته الفضائية لنصرة ودعم إسرائيل أو اللجوء إلى قادتها للانتصار له ضد أبناء شعبه!!
في أغسطس 2012م نشرت الصحف الإسرائيلية رسالة من هذا “الإعلامي” إلى قادة إسرائيليين يستغيث فيها من رئيس دولته الأسبق.
ويولبهم على بلده بحجة أن رئيسه الأسبق قد جاء بوزير دفاع لا يعرف كيف تدار الجيوش¿! وأنه أطاح بكل أصدقاء إسرائيل من مواقعهم في الدولة!!
وأضاف في رسالته أنه مقر لحق إسرائيل في الأرض الفلسطينية!! وقال بالحرف الواحد: إن المسلمين ليس لهم في القدس إلا المسجد الأقصى!!.
ولذلك لم تغفل الصحافة الإسرائيلية تصريحاته الجديدة التي أطلقها قبل أيام بل أشادت بها كثيرا إلى درجة أن صحيفة (هآرتس) كتبت قائلة:
(على الرغم من الثأر الشخصي الذي يجمع (هذا الإعلامي) بجماعة الإخوان المسلمين حيث سبق أن أغلقت القناة التي يعمل بها في عهدهم إلا أن (دولته) لم تشهد تصريحا مماثلا عبر أجيال عدة).
إذن.. هو انفلات إعلامي يسود هناك وإعلام دخيل لا يستند إلى أنظمة وقوانين تحكم نشؤه ومنهجه وسياساته وحدوده!!
عندما تشيد وترحب أجهزة إعلام عدوك – أي عدو – بتصريحات ومواقف صادرة من أناس يعيشون معك في وطن واحد فإن الحديث عن طابور خامس وعملاء وخونة ومرتزقة يكون حديثا صحيحا له ما يدعمه على الواقع وبالتالي عليك مجابهته وفضحه لتعزز بذلك وحدتك الوطنية وتحميها من الاختراق!!
تحية لشهداء غزة والضفة.. وتحية لرجال الإعلام من ذوي المواقف المساندة للحق العربي.. في ظل الصمت والخنوع المخيم على سماء الأمة!!