ثورة التكنولوجيا الرقمية
عرف العالم قبل أكثر من قرنين من الزمن ما سمي بالثورة الصناعية الكبرى إذ دخلت الإنسانية عمليا في عصر الآلة. وتلك الثورة الصناعية غيرت بشكل عميق المجتمعات الإنسانية على خلفية الدور الذي لعبته الآلة في كونها شرعت تحل مكان الجهد الإنساني إلى درجة كبيرة وأيضا وخاصة الجهد الحيواني الذي استغني عنه في العديد من الخدمات التي ليس أقلها النقل وحراثة الأرض.
الباحثان الأميركيان العاملان في معهد ماساشوزتا للتقنيات يعلنان في كتابهما الجديد المشترك الثاني أن البشرية دخلت في «عصر الآلة الثاني» كما يقول عنوانه. وتتمثل الفكرة الأساسية التي يتعرضان لها بالشرح والتحليل في القول إن التقدم التكنولوجي الذي حققته الثورة الرقمية سيسمح للحواسيب وللإنسان الآلي «الروبوت» بالوصول إلى إمكانية تقديم ما يعادل أو ما يفوق القدرات الواعية لدى البشر.
ويشير المؤلفان إلى أن النقاش في الأوساط الاقتصادية يزداد في الفترة الأخيرة حول الخشية من الجمود والمراوحة في المكان لأسباب تتعلق بالمسائل السكانية الديموغرافية والعولمة وتباطؤ التجديد التكنولوجي. وحول ما يترتب على ذلك كله على صعد تراجع معدل النمو الاقتصادي وتقلص فرص العمل في البلدان المتقدمة بشكل خاص.
ويرد مؤلفا الكتاب على مثل هذه الطروحات المتشائمة التي تتردد كثيرا وبنغمة فيها الكثير من التفاؤل في المستقبل بمواجهة ما يعتبرانه نوعا من امتداد للمخاوف التي ولدتها الأزمة المالية والاقتصادية الكبرى التي انفجرت في خريف عام 2008 ضمن الولايات المتحدة الأميركية.
التفاؤل الذي يؤكده المؤلفان هو بالتحديد على خلفية ما يمكن لـ«الذكاء الصناعي الرقمي» أن يقدمه للاقتصاد العالمي. ويعتمدان في تحليلاتهما على فكرة أساسية مفادها أن الآلات الذكية تحقق تقدما كبيرا في مختلف مجالات الصناعة الرقمية الواسعة..
ويدعمان مثل هذه النتيجة بالعديد من الإحصاءات التي تؤكد ما يذهبان إليه. والتأكيد في جميع الحالات أن هناك فرصة لتحقيق «نمو اقتصادي استثنائي» من التقدم السريع والهائل للقدرات المتعاظمة للأجيال الجديدة من الآلات الرقمية التي تحقق على المدى القصير جدا وكل عامين تقريبا قفزات كبيرة بل و«ثورات على صعيد الحواسيب» ما يزيد بالنتيجة فرص تحقيق إنجازات كانت تبدو حتى الأمس القريب نوعا من أحداث روايات «الخيال العلمي».
ويؤكد الكتاب أن الثورة الرقمية أوجدت ما يطلق عليه المؤلفان توصيف «العصر الثاني للآلة» ويجدان هذا العصر مصدرا للتفاؤل بالنسبة للاقتصاد العالمي إذا عرف المعنيون «تشغيل مخيلتهم» للاستفادة منه. ذلك أنه بلا القدرة على التخيل لن تتجسد الإمكانات المعرفية لحقائق ملموسة في الواقع كما يشرح المؤلفان بالاستناد إلى دروس التاريخ الإنساني وثوراته العلمية و«ثمراتها التكنولوجية».
وفي الصفحات الأخيرة من الكتاب يصوغ المؤلفان مجموعة من التوصيات يريانها ضرورية لتجنب الآثار السيئة للثورة الرقمية. ولعل الأكثر أهمية بينها تأكيد أهمية الاستثمار في مجال التربية والتعليم بالنسبة للأفراد وللمجتمعات. ذلك على أساس أن الاستثمار في رأس المال البشري جوهري لتطوير قدرة الأفراد على إبداع أفكار جديدة للسيطرة على جنوح الآلة واستخدام قدراتها الهائلة في خدمة الإنسان وليس في استعباده.
المؤلفان في سطور
إريك برينجولفسون مدير مركز العمليات المالية الرقمية في معهد جامعة ماساشوزتا للتقنيات وأحد أكثر المرجعيات في الولايات المتحدة حول منظومات الإعلام الرقمي والاقتصاد. وأندرو مكافي باحث رئيسي في المجال العلمي بمعهد جامعة ماساشوزتا للتقنيات. وهو متخصص معروف في مجال الصناعة الرقمية. قدم المؤلفان معا كتابا سابقا عرف انتشارا كبيرا هو «الإنسان في مواجهة الآلة».
الكتاب: العصر الثاني للآلة
تأليف: إريك برينجولفسون وأندرو مكافي
الناشر: نورتون – نيويورك 2014 – الصفحات: 320 صفحة – القطع: المتوسط