دور المسجد في حياة الأمة
الشيخ/ أيمن عبدالعزيز حشيش
إن المسجد في حياة الدعوات يمثل المنطلق الأول الذي لا يمكن تجاوزه أو الاستغناء عنه إلا إذا أمكن للإنسان أن يستغني عن عقله أو أن ينطلق بعيدا عن روحه ونفسه.
وهذا يفسر لنا سر عناية الرسول صلى الله عليه وسلم- ببناء المسجد في أول أيام وصوله إلى المدينة ليقينه عليه الصلاة والسلام بأن المنطلق الأول الذي تشحن فيه النفوس وتغسل فيه العقول وتملأ من فيضه القلوب وتنهل من معينه الأرواح إنما هو المسجد حيث يذكر اسم الله ويتلى كتابه وحيث تربط القلوب بخالقها وتتعلق بفاطرها وتستمد رؤيتها لتنفيذ برنامج الحياة من نور الله سبحانه وتعالى.
إذا كانت الأمم تنبني على سواعد الرجال فإن الرجولة لا بد أن تنبني في محاضن الوحي ومصانع الرجال وهي المساجد قال تعالى: ” فöي بيوت أذöن الله أن ترúفع ويذúكر فöيها اسúمه يسبöح له فöيها بöالúغدوö والúآصالö36/24رöجال لا تلúهöيهöمú تöجارة ولا بيúع عن ذöكúرö اللهö وإöقامö الصلاةö وإöيتاء الزكاةö يخافون يوúما تتقلب فöيهö الúقلوب والúأبúصار.
إن أول عمل قام به الرسول صلى الله عليه وسلم- في المدينة كان بناء المسجد وهذا الأمر لم يكن على سبيل المصادفة بل إنه منهج أصيل لأمة الإسلام حتى يعلموا أنه لا قيام للأمة بغير المسجد فالمساجد بيوت الله في الأرض وأحب البقاع إلى الله ولمكانتها وفضلها أضافها الحق تبارك وتعالى إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم فقال :” وأن الúمساجöد لöلهö فلا تدúعوا مع اللهö أحدا” والسؤال هنا .. ما هي أهمية المساجد في دنيا المسلمين¿ وما هي علاقة المسلم بالمسجد¿ هل علاقته بالمسجد تنتهي بانتهاء الصلاة¿ يخطئ من يظن ذلك.
هناك أدوار أخرى للمسجد في غاية الأهمية منها ما يلي:
أولا: أنها تجمع المسلمين تجمعا إيمانيا في اليوم والليلة خمس مرات دون عناء ولا مشقة إلا أن الجميع يسعى إلى إرضاء الله تعالى ومن هنا عظم فضل الجماعة وفي هذا يروي الإمام البخاري بسنده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “صلاة الجماعة تزيد عن صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمسا وعشرين درجة فإن أحدكم إذا توضأ فأحسن وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه خطيئة حتى يدخل المسجد وإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت تحبسه وتصلي عليه7 يعني الملائكة مادام في مجلسه الذي يصلي فيه: اللهم أغفر له اللهم أغفر له اللهم أرحمه ما لم يؤذ أو يحدث فيه” هذا الفضل الكبير لاينا له المسلم ولو صلى الفريضة في منزله خمسا أو سبعا وعشرين مرة لكنه ينا له في المسجد ولا يزال يحافظ على الصلاة في المسجد حتى يستجلب رحمة الله وهدايته.
ثانيا: في المساجد تعقد حلق العلم ومجالس الفقه ويجتمع المسلمون فيها رجالا ونساء ويسارعون إليها وقد روى البخاري ما يدفع المسلمين إلى إحياء مجالس العلم بالمسجد.
كانت المساجد عبر تاريخهم عامرة بحلق العلم في علوم الشريعة والطبيعة والطب والفلك والكيمياء وغيرها.
ثالثا: للمسجد أيضا رسالة صحية لتخفيف الآلام عن المرضى وبخاصة الفقراء الذين لا يجدون كفافا من العيش, وقد تكون لعموم المسلمين مثلما يحدث في كثير من المساجد حيث يلحق بها مستشفى أو مستوصفا إسلاميا يقوم على رعاية المرضى وإعانتهم وهذا ليس من الابتداع في الدين بل هو من الاقتداء بسنة البني صلى الله عليه وسلم.
رابعا: أما عن دور المسجد في كفاية المحتاجين وسد حاجتهم والقيام على شؤونهم فهو أمر من أوضح الأدوار الاجتماعية التي لا تكاد تجد طريقة في أي نظام أفضل من المسجد وقد كان أهل الصفة يقيمون في المسجد وكان أهل الأنصار كلما جنوا من أرضهم شيئا جاءوا يعلقون منه في المسجد أو يضعون منه بين يدي الفقراء من المسلمين.
خامسا: من أدوار المسجد أنه مكان لقيادة الأمة وتربية القادة والزعماء ففي زمان ازدهار الأمة الإسلامية كان زعماء الأمة يرتبطون بالمسجد ارتباطا قويا إنها مأساة حقيقية ألا يدخل زعماء الأمة المساجد إلا في المناسبات.. أي بطل من أبطال الإسلام والمسلمين وأي قائد رفع رأس الأمة فترة من الزمن كان مرتبطا بالمسجد له دور في كل جزئية من جزئيات الحياة.
هذه بعض أدوار المسجد.. وهذا غيض من فيض وقطرة من بحر.. فإذا كنا نريد الخير لأمتنا وإذا كنا نريد لها أن تسود وتقود فلا بد أن نعود بالمسجد إلى سيرته الأولى.. أسأل الله عز وجل بمنه وكرمه وفضله أن يجعلنا من أهل المساجد الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
هذا وأصلي واسلم على خاتم النبيين والمرسلين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عضو البعثة الأزهرية