طل المقالح بهيا كقصائده الخالدة.. شكرا للكهرباء

محمد محمد إبراهيم

 - أخذت "الريمونت كنترول" بغية متابعة شريط الأخبار على الأقل وبعجل حتى لا أفوöت فرصة التيار الكهربائي الذي بدا على غير العادة واثقا من نفسه كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة منتصف الليل
أخذت “الريمونت كنترول” بغية متابعة شريط الأخبار على الأقل وبعجل حتى لا أفوöت فرصة التيار الكهربائي الذي بدا على غير العادة واثقا من نفسه كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة منتصف الليل والقنوات الفضائية العربية تكتظ برمضان وأجوائه فيما الأقل منها مشتعل بأخبار غزة وكيد الصلف الصهيوني أما القنوات الفضائية اليمنية فتواصل صدى السياسة متندرة من الماضي دون أدنى شعور بقيمة الحاضر وخصوبته في صناعة المستقبل إذا ما خلصت النوايا وبين حين وآخر تواصل أخبار الجرح اليمني النازف المتمثل في أحداث عمران وتداعياتها الخطيرة على البلد وعلى مسار العملية السياسية..
وهروبا من دأب تلك القنوات إلى التسييس المقيت لأبسط الأحداث والتغاضي عن أخطرها خارج سياق الوطن قادتني الصدفة إلى القناة الفضائية اليمنية الجميلة والمتسامية على جدل السياسة إنها قناة معين الثقافية والرياضية والشبابية لأجد الزميل الرائع والصحفي المحاور عارف الصرمي في حضرة من بهاء الأديب والناقد العربي الكبير الأستاذ الدكتور عبدالعزيز المقالح- حفظه الله وأمده بالعمر الطويل المقرون بموفور الصحة والعافية..
لحظتها اعتدلت في مجلسي متمنيا بشغف وأمل كبير ألا تقطع الكهرباء ألا علي هذه الفرصة النادرة فعندما أرى ابتسامة المقالح يعشب الأمل ويموت اليأس ويتقهقر الخوف في ضلوعي من وعثاء السياسة التي تطارد اليمنيين منذ زمن بعيد..
لقد وصل الصرمي بالحوار – لحظتها – إلى محطة ما بعد المنتصف كان الحديث راقيا والأستاذ الجليل المقالح بهيا كقصائده الخالدة التي أقرأها في رموش صنعاء وفي شروخ طفل متجول يبيع الماء البارد وفي تأملات عجوز أضناه الانتظار على أبواب الأحلام المؤجلة.. كان الحديث يشرق كصباح يستدير في جفون اليمن الثقافي والشعري والنقدي والعقلي المستنير السامق على صغائر الصراعات والحساسيات المفرطة والمغتسل دوما من وعثاء السياسة بماء الحب والانسانية والحفاظ على الأصدقاء دون المساس بمواقفهم التي تخصهم..
حديث المقالح – عن ظاهرة الشعر العربي الثالثة الأستاذ المرحوم عبدالله البردوني وعن ما كان يشاع حول وجود حساسية خلافية بين الأستاذين الجليلين المقالح والبردوني- كشف قيما رفيعة وراقية من التواضع الجم والإنسانية المحضة التي عرت بلى شك موضوعا حسبه البعض هاما فظل يلوكه بعض المثقفين بشيء من اللغط والتجاوز والتحامل على البردوني والمقالح.. كما شدتني الإجابة إلى مسألة خلاف التنوع حول شكل القصيدة وتعريف الشاعر وهو بحد ذاته الثراء في المشهد الشعري اليمني المعاصر وتوازي القراءة المنصفة التي تختلف في الرؤية وتلتقي في مصب تمتين أواصر العلاقة الفكرية والثقافية والأدبية والإبداعية..
لقد ذكرتني هذه الوقفة الرائعة بابتهالات الدكتور عبدالعزيز المقالح الذي جعلته يستعيذ بالله من شر كل شيء حتى الأصدقاء حين تتعالى همزاتهم مستنطقا صورا شعرية بالغة الجمال الموغل في الصوفية وفي نسق شعري مترامي الفتنة البيانية : ( إلـهي / أعوذ بك الآن من شرö نفسي/ ومن شر أهلي / ومن شرö أصحابي الطيبين/ ومن شرö أعدائي الفقراء إلى الحبö / ومن شرö ما صنع الشعر / ومن شرö ما كتب المادحون/ ومن شرö ما كتب الحاقدون / أعوذ بك الله من أرق في عيون النجوم / ومن قلق في صدور الجبال / ومن خيبة في نفوس الرجال / ومن وطن شاهرا موته / يتأبط خيبته / يتكور خوفا من الذاكرة)….
تذكرت هذه الابتهالات -التي أتى ذكرها تباعا في حديثه عن الصوفية- فاستعذت بالله من شر مقص الكهرباء والشمع أو أن يحل الظلام .. انتهى البرنامج والضوء شاهرا وجوده الاستثنائي لأجد نفسي لأول مرة مرغما على شكر المؤسسة العامة للكهرباء والوزير والموظف وأعمدة النور في حينا.. ليس شفقة على نزاع موت الكهرباء الدائم بل لأنها حققت أملي في الإضاءة لمتابعة ما تبقى من برنامج المذيع الرائع عارف الصرمي على “قناة معين” مع قامة اليمن وقيمتها الفكرية والثقافية والأب الروحي لأجيال شعرها المعاصر وهو ما حصل فلم تمر سوى خمس دقائق بعد البرنامج إلا وشارع الزراعة يغط في الظلام..
هكذا صار وضعنا في اليمن نفرح لأبسط الأماني حين تتحقق ففي بلدان العالم المتقدم نادرا ما تغمض الكهرباء عين الضوء لدقائق فتضج المدن وتستقيل حكومات ويعاد ترتيب إيقاع الحياة الإدارية للدولة والموارد ويفتح باب الابتكار والإبداع لمعرفة سبب وحل هذه الهفوة فينتج عن هذا مزيد من الجهود لترويض الطبيعة والشمس والرياح والصواعق من أجل مواكبة

قد يعجبك ايضا