فضل العشر الأواخر من رمضان
الشيخ السيد علي محمد سالم
لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضل العشر الأواخر من رمضان في أكثر من حديث بل كان يقوم ليل هذه الأيام بل ويعتكف فيها ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان مالا يجتهد في غيرها وعن عائشة رضى الله عنها “إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره” رواه البخاري ومسلم وزاد مسلم “وجد وشد مئزره” وقولها “وشد مئزره” كناية عن الاستعداد للعبادة والاجتهاد فيها زيادة على المعتاد. وقيل هو كناية عن اعتزال النساء وترك الجماع. وقولهم “أحيا الليل” أي استفرقه بالسهر في الصلاة وغيرها. وجاء عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت “لا أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة ولا قام ليلة حتى الصباح ولا صام شهرا كاملا قط غير رمضان” سنن النسائي. ويحمل قولها (أحيا الليل) على أنه يقوم أغلب الليل أو يكون المعنى أنه يقوم الليل كله لكن يتخلل ذلك العشاء والسحور وغيرهما فيحيي معظم الليل. وقولها “وأيقظ أهله” أي ايقظ أزواجه ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في سائر السنة ولكن كان يوقظهم لقيام بعض الليل ففي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ عائشة رضى الله عنها إذا أراد أن يوتر لكن إيقاظه صلى الله عليه وسلم لأهله في العشر الأواخر من رمضان كان أبرز منه في سائر السنة وفعله صلى الله عليه وسلم هذا يدل على اهتمامه بطاعة ربه ومبادرته الأوقات واغتنامه الأزمنة الفاضلة فينبغي على المسلم الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فهو الأسوة والقدوة فيجب ألا يضيع ساعات هذه الأيام والليالي فإن المرء لا يدري لعله لا يدركها مرة أخرى باختطاف هادم اللذات ومفرق الجماعات فحينئذ يندم حيث لا ينفع الندم.
ومن فضائل هذه العشر أن فيها ليلة القدر قال تعالى “حم والكتاب المبين إنا انزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك أنه هو السميع العليم” سورة الدخان.. انزل الله القرآن الكريم في تلك الليلة التي وصفها رب العالمين بأنها مباركة وقد صح عن جماعة من السلف منهم ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير وغيرهم أن الليلة التي أنزل فيها القرآن هي ليلة القدر وقوله “فيها يفرق كل أمر حكيم” أي تقدر في تلك الليلة مقادير الخلائق على مدى العام والمقصود والله أعلم بمقادير الخلائق أنها تنقل في ليلة القدر من اللوح المحفوظ. معنى “القدر” العظيم أي أنها ليلة ذات قدر وقيل القدر التضيق. ومعنى التضيق فيها إخفاؤها عن العلم بتعينها. وقال الخليل بن أحمد إنها حيث ليلة القدر لأن الأرض تضيق بالملائكة لكثرتهم فيها تلك الليلة وقيل القدر بمعنى القدر بفتح الدال وذلك أنها يقدر فيها أحكام السنة قال تعالى “فيها يفرق كل أمر حكيم” ولأن المقادير تقدر وتكتب فيها فسماها الله تعالى “ليلة القدر” وقد اختص الله تعالى هذه الليلة بخصائص منها:_
1 – أنه نزل فيها القرآن قال بن عباس وغيره (أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا ثم نزل مفصلا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة).
2 – وصفها بأنها خير من ألف شهر في قوله تعالى “ليلة القدر خير من ألف شهر”.
3 – وصفها بأنها مباركة في قوله تعالى “إنا أنزلناه في ليلة مباركة”.
4 – تنزل فيها الملائكة والروح يكثر نزول الملائكة فيها وتنزل معهم الرحمة والبركة.
5 – وصفها بأنها سلام أي سالمة تكثر فيها السلام من العقاب بما يقوم به العباد من طاعات لله.
6 – فيها يفرق كل أمر حكيم قال تعالى (فيها يفرق كل أمر حكيم).
7 – أن الله يغفر لمن قامها إيمانا واحتسابا كما في حديث ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه.
دعاء ليلة القدر: قالت عائشة رضي الله عنها “قلت يا رسول الله أرايت أن وافقت ليلة القدر ما أقول قال قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني” رواه أحمد.
الاعتكاف في العشر الأواخر هو فعل البني صلى الله عليه وسلم وكان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه كما جاء في الصحيحين من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها وقال الأئمة الأربعة يدخل قبل غروب الشمس. العلامات التي تعرف بها ليلة القدر:_
1 – ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من علاماتها أن الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها.
2 – روى الطبراني بسند حسن من حديث بن الأسقع أن النبي “ص” قال “ليلة القدر ليلة بلجة أي مضيئة لا حارة ولا بادرة” الخ.