من لم يستوعب الماضي لن يكون جزءا من المستقبل
أحمد الزبيري
* الصراعات المسلحة التي شهدها اليمن أثبتت أن القوة والعنف لا يحل القضايا والمشاكل ولا يحقق أهداف أطرافها لأنهم في النهاية بعد الدماء والدمار والخراب والمآسي يعودون للبحث عن مخارج عبر تسويات وحوارات للبحث عن حلول وسط منبثقة من تنازلات متبادلة.. بدون شك أن هناك عوامل داخلية وخارجية أسهمت في نشوب هذه الصراعات وفي قبول المتصارعين بالتفاهم والتحاور ولا نحتاج أن نذكر بالحرب والصراع الذي نشب بعد قيام ثورة سبتمبر وأكتوبر ولا بالحروب الشطرية في سبعينيات القرن الماضي وما صاحبهما من استقطابات وتداخلات تصارعية ثانوية في إطار الصراعات الرئيسية كلفت أثمانا باهظة وفي الأخير تعقد المؤتمرات ويتوافق ويتفق الأطراف على حلول قد تكون غير مرضية لهذا الطرف أو ذاك لكن الظروف والأوضاع والمصالح استوجبتها.. أما تلك الصراعات التي اتخذت طابعا إقصائيا أو إلغائيا فإن الانتصار فيها تكتيكي أما على الصعيد الاستراتيجي كما أثبتت الوقائع أن الجميع مهزوم والثمن الذي دفع على المدى البعيد ربما كان أكبر وأوسع على الصعيد السياسي وأعمق من الثمن الآني في حينه وهكذا يكون الجميع مهزومين ليس فقط المتصارعون وإنما اليمن وطن وشعب ويثبت التاريخ أنها عبثية.
من هذا كله نخلص إلى المفترض والمتوجب وهو استيعاب دروس هذا الجزء من تاريخنا المعاصر وتحديدا تلك القوى التي تسعى إلى فرض مشاريعها بقوة السلاح وبوسائل العنف مبرهنة أنها لم تقرأ تلك التجارب المرة التي مر بها اليمن في التاريخ القريب وهي وإن قرأت لا تفهم إلا في سياقات مطامحها ومطامعها التي بكل تأكيد تتناقض مع مصالح اليمنيين الذين كانت تطلعاتهم ولاتزال في الأمن والاستقرار والنماء والتطور والازدهار وتأتي المصالح الأنانية الضيقة لبعض القوى لتأخذهم بعيدا عن ما ناضلوا وضحوا من أجله.
ومرة تلو الأخرى يسرق منهم نضالهم وكفاحهم وحلمهم في التغيير الذي يفضي بهم إلى بناء يمن جديد لا تريده تلك الأطراف المدفوعة بهوس الاحتفاظ بهيمنتها وما راكمته من مصالح مشروعة وغير مشروعة وأخرى تسعى إلى إزاحتها لتحل محلها وتبقي الوطن وأبنائه مستمرين في دوامة الدوران داخل حلقتهم المفرغة.. فهم غير مقتنعين بما انتهت إليه التسوية السياسية ولا يريدون أن يحتكموا لما أسهموا في الوصول إليه عبر مؤتمر الحوار الوطني من مخرجات تنفيذها يتجاوز بوطننا وشعبنا الماضي ويضعه على طريق المستقبل.
لذا يتوجب على من يخوض صراعات المصالح والنفوذ والسعي إلى الهيمنة أن يدرك أن حربه عبثية ولن توصله إلا إلى الخسران وعليه أن يعي أن المكتسب الحقيقي والصحيح هو في العمل وبذل الجهود الصادقة والجدية في مسار نجاح التسوية السياسية وتطبيق مخرجات الحوار وتحقيق عملية الانتقال إلى وطن ودولة يمنية مدنية اتحادية حديثة قوية وقادرة وعادلة نتساوى في ظلها جميعا أمام القانون في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص وهذا وحده كفيل في إيجاد تصالح وتسامح وشراكة في الوطن والمواطنة وفي الثروة والسلطة.