رمضان كريم …
د/عبد الله الفضلي
لقد حل علينا هلال شهر رمضان الكريم وسيحل علينا ضيفا عزيزا كريما معززا مكرما نسأل الله تعالى أن يعيننا على صيامه وقيامه وإعطائه حقه من التقدير والإجلال والالتزام بكل ما جاء في القرآن الكريم عن هذا الشهر العظيم من مبادئ ومثل وأخلاق وقيم ومعاملة الناس بالحسنى والتحلي بالصبر والابتعاد عن الأشياء التي تجرح الصوم من حيث كتم الغيض والعفو عن الآخرين عند وقوع بعض الأخطاء والصبر على البلاء وبذل المزيد من التبتل إلى الله والتقرب إليه والإحسان إلى الفقراء والضعفاء والمعدمين والالتفات إلى من يعانون من ضيق المعيشة, وينبغي أن نخفف معاناتهم ونفرج عنهم بعض الكرب حتى ولو بالكلمة الطيبة .
كما ينبغي على كل صائم أن يعطي الآخرين من الفقراء بسخاء وكرم فهذا هو شهر العطاء وشهر الخيرات والصدقات والزكوات والإكثار من الأعمال الصالحة التي تقربنا إلى الله ونكفر بها عن سيئاتنا, كما ينبغي أن يبتعد الناس عن العصبية والغضب والشتائم واللعن والسب لأتفه الأسباب, وكذلك الغيبة والنميمة لأن شهر رمضان هو شهر التوبة وزرع المحبة وفعل الحسنات لأن السيئات تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب . إن شهر رمضان المعظم هو شهر التطهر من الأدران وهو شهر للاعتكاف ومحاسبة النفس عما أسرفت والتبتل إلى الله والإكثار من الذكر والاستغفار . كما أن شهر رمضان هو مناسبة للصحة الجسمية والعقلية بحيث تأخذ المعدة قسطا من الراحة السنوية حتى تستعيد عافيتها بعد أحد عشر شهرا من الحشو والامتلاء على مدار اليوم والليلة وهذه الراحة السنوية هي حكمة إلهية من أجل صحة الإنسان المسلم (صوموا تصحوا) لأن صحة المعدة هي صحة للجسم كله, وينبغي عدم الإفراط في شهر رمضان بالمأكولات وإثقال المعدة فوق طاقتها حيث إن هناك أناسا يتخذون من شهر رمضان المعظم موسما للهبر والتخمة والدسومة وإنهاك المعدة وإثقالها بكل أنواع المأكولات والمشروبات والعصائر والحلويات والمشهيات وكأن بطون هؤلاء قد صامت الدهر كله وليس مجرد سويعات من النهار وزلفا من الليل, حيث يقبلون على شراء كل شيء ويشفطون السوبر ماركات عن آخرها وكأن الدنيا ستغلق أبوابها في وجوههم ولن يجدوا شيئا يأكلونه في رمضان . إن الإسراف والإفراط في المأكولات والمشروبات في شهر رمضان لن يكون في صالح الصحة العامة للناس, حيث أن كثيرا من هؤلاء يتعاملون مع هذا الشهر الكريم على أنه شهر للسهر وتضييع الوقت حتى مطلع الفجر ما بين مضغ القات لساعات طويلة وبين متابعة شاشات التلفاز لمشاهدة ومتابعة المسلسلات والمسابقات وكأس العالم ويغفلون عن ذكر الله وإقامة الصلوات وتلاوة القرآن الكريم حيث يتحول شهر رمضان عند الكثير من الناس إلى نوع من اللهو والسهر ومن ثم النوم العميق طوال النهار .
أيها الناس اعلموا أن صيام هذا الشهر في هذا الصيف القائض فيه أجر كبير من الله وهو نوع من الجهاد في سبيل الله , أما الصائم الذي لا يشعر بالعطش ولا بالجوع ولا بالتعب ولا بالإرهاق فما هو بصائم بل هو يتظاهر بالصيام لأن الصيام يريد بذل الجهد في العمل والمثابرة والمواظبة وإعطاء العمل والوظيفة حقها من الإخلاص والاجتهاد وقضاء حوائج الناس بروح طيبة ومرحة وأخلاق عظيمة , والصائم الذي لا يؤدي عمله بإخلاص أو لا ينجز ما عليه من أعمال أو واجبات أو يماطل أو يتهرب من العمل فما هو بمسلم ولا بصائم , فهو يتظاهر بالصوم ويعتبره حجة للتهرب من العمل , فالصيام هو العمل والجدية والصبر والتحمل وليس السهر والنوم , وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال (للصائم فرحتان , فرحة عند إفطاره , وفرحة عند لقاء ربه) أي أن الصائم الذي يكدح ويكد طوال اليوم فإن فرحته بالإفطار تكون فرحة كبيرة ينتظرها حتى نهاية اليوم بلهفة غامرة .