التجديد والأصالة والمعاصرة

أ.د.عمر عثمان العمودي


نقرأ ونسمع ونتابع الكثير مما قيل ويقال ويتكرر من دراسات ومعالجات وتحليلات قديمة وجديدة حول مسيرة النهضة العربية الحديثة والمعاصرة منذ نهاية القرن التاسع عشر الميلادي ومقوماتها المادية والمعنوية والفكرية والعلمية وشروط نجاحها وأسباب تعثرها وفي طليعة ما نسمع ونقرأ ونتابع من موضوعات ومفاهيم ومصطلحات مما أثير ويثار ويناقش التجديد والأصالة المعاصرة والمراد بها وكيف تكون¿ وكيف تطبق¿ وما دورها في تطوير وتغيير أحوال العرب والمسلمين الجامدة والمتخلفة ¿ وكيف يمكن ردم وسد الفجوة الكبيرة والمتزايدة بينهم وبين الشعوب والأمم والدول الأخرى المتقدمة في مجال الحكم الرشيد وقواعده وآلياته المتطورة الراسخة الجذور وفي تنظيماته السياسية والإدارية والدستورية والقانونية وفي مختلف مؤسساته الرسمية وشبه الرسمية والمدنية الحديثة والفاعلة ¿!
التجديد ومفهوم التجديد العصري العام
لا إتقان بيد علماء الدين الإسلامي ورجال الفكر الإسلامي حول ما هو المراد بمفهوم التجديد وماهيته بسبب اختلاف وتباين الآراء بينهم من منطلقات ورؤى عدة سياسية وفكرية ودينية ومذهبية ومصلحية يتسم بعضها بالتشدد وبعضها بالتساهل المبالغ فيه والبعض الآخر بالوسطية وبين هذه المسارات درجات أخرى لا نرى أهمية لذكرها هنا وتطرح هذه الرؤى المتباينة تساؤلات هي : هل الخلاف والاختلاف يرتبط بطبيعة النصوص الدينية ذاتها ¿ وهل هذه النصوص هي في مضمونها حمالة أوجه متعددة¿ وهل الخلاف يرتبط بالثوابت أم أنه يدور حول الفرعيات والجزئيات ¿ وما هي هذه الثوابت و هذه الفرعيات ¿ وهل تتأثر هذه التغيرات بالمصالح السياسية والاقتصادية والأمور المناطقية والقطرية فبدلا من أن يكون الخلاف والاختلاف رحمة وتيسيرا لأبناء الأمة الإسلامية فإنه قد يكون سببا في تباعدهم وإضعاف وحدتهم وتضامنهم تجاه الأخطار والتحديات المهددة لهم جميعا .
والأساس في الاختلافات المذهبية الإسلامية هو أنها لا تنسحب ولا تعود إلى الثوابت أو الكليات الثابتة في النصوص الشرعية القاطعة الواضحة الدلالة التي يلتزم بها الجميع ولا يجوز التأويل فيها وهي تتعلق عامة بالعقائد الإيمانية ووحدانية الله وبالأنبياء والرسل واليوم الآخر والكثير منها يعرفه المسلم في أركان الإسلام وأركان الإيمان وأركان الإحسان وأما المسائل الفرعية والجزئية فهي النصوص التي لها طابع العمومية وأكثر نصوص القرآن الكريم تدخل في هذا المجال وهي تتعلق في الغالب بالإنسانيات وأمور الدنيا وشكل الحكم وما يواجه الناس في حياتهم من علاقات ومعاملات فهذه المسائل والأمور وما شابه ذلك هي التي يجوز الاجتهاد وأعمال الفكر والعقل فيها والاختلاف حولها لما في ذلك من تيسير وتخفيف ورحمة بحق أبناء الأمة الإسلامية وكما قال الإمام مالك ” إن اختلاف العلماء رحمة من الله بهذه الأمة لأن كل يرى ما صح عنده وكل على هدى وكل يريد رحمة الله ” ومن الأحاديث المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم المشجعة والداعية إلى الاجتهاد وإمعان النظر في القرآن الكريم لمواجهة المشاكل القائمة والمستجدة في المجتمعات الإسلامية وعلاقاتها الخارجية الحديث القائل ” أثيروا القرآن فإن فيه خبر الأولين والآخرين ” والحديث القائل “من أراد العلم فليثور القرآن ” ومما ينسب للإمام علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه قوله ” كتاب الله فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قسمه الله ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله ” والاجتهاد في الإسلام بابه مفتوح ولا يقيده شيء سوى وجوب المحافظة على غايات الشريعة الاسلامية المعروفة والممثلة في المحافظة على الدين والنفس والعقل والنسل والمال وكل ما يدخل في إطار هذه القيم والغايات السامية .
والتجديد في معناه العصري العام هو التجديد الذي يقوده الزعماء والقادة والعلماء المصلحون والنخب المخلصة في البلاد الإسلامية بعزائمهم وإيمانهم الصادق وإرادتهم الجادة والحاسمة والذي يشمل الفكر والمجتمع والدولة ومؤسساتها والناس وقدراتهم العلمية والمعرفية وخبراتهم الإدارية والتكنولوجية وسلوكياتهم الإيجابية وهو الذي يترجم بحق وعلى مستوى الفكر وأرض الواقع ما جاء في الحديث النبوي الشريف ” إن الله عز وجل يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ” وذلك لأن القليل من الرجال هم الذين ينهضون بالجليل من الأعمال التي تحفظ للأمة حيويتها ومنعتها وقوتها وسلامة قيمها وركائز استقرارها في العدل والشورى والمساواة وأمانة وسلامة المعاملات والعلاقات وسلاحه وسيادة أحكام الدين الإسلامي الحنيف على الجميع الحاكم والمحكوم .

قد يعجبك ايضا