هل تتعلم السياسة من الرöياضة¿
يكتبها: علي أحمد بارجاء
حب الوطن هو الأصل في كل إنسان سوي, ولذا فلا يمكن أن يتصور أن يكره إنسان وطنه, ويسعى إلى تدميره, وإعاقة تنميته وتطوره وازدهاره. ما كنت أحسب أن استوحي هذا المعنى المتفق عليه من الرياضة, وبخاصة من (مونديال) كأس العالم الذي تجري أحداثه في البرازيل هذه الأيام, ويحظى بمتابعة عالمية واسعة.
في مباريات كأس العالم, نرى كيف يأتلöف المختلöف, ويتحد المفترöق حين يكون على الجميع أن يلتقوا حول الوطن, ومن أجل رفع رايته واسمه في المحافل الدولية سواء من اللاعبين, أم من عشاق كرة القدم ومشجعيها.
كل الذين يلعبون مع منتخبات بلدانهم المشاركة في (المونديال), هم في الأصل لاعبون إما في أندية بلدانهم, أو متعاقدون مع أندية بلدان أخرى ومحتكرون لها, لكنهم في مباريات كأس العالم لا يلعبون إلا مع منتخبات بلدانهم, وهنا لا يكون لعقد الاحتكار قيمة لأن الوطن أولى, فلا نستغرب أن يكون بعض اللاعبين من بلد واحد خصوما في أندية بلدانهم أو في أندية دول أخرى, ولكنهم حين يمثلون منتخبات بلدانهم تغيب تلك الخصومة, ويتحدون ويغلöبون مصلحة بلدانهم, فيتفانون في تقديم أفضل (أداء), ويسعون مستميتين لتحقيق (أهداف) كي يوصلوا بلدانهم إلى التأهل والفوز بكأس العالم, كما يحزنون إذا لم يحالفهم الحظ, وخسروا ولم يحققوا النصر.
تلك معلومة معروفة رياضيا, ولكن حين نتصور بعدها الأخلاقي, ونسقöطها على السياسة, يكون لها قيمة لأنها تعلمنا كيف يكون حب الوطن ولذا ينبغي أن تتعلم السياسة من الرياضة.
حين كنت أشاهد مباراة (هولندا) و(تشيلي), سألني ابني الصغير ببراءة ــ وهو من مشجعي نادي (ريال مدريد) ــ فقال: لماذا (كاسياس) في فريقه (ريال مدريد) حارس ممتاز, ولكنه مع منتخب بلاده أسبانيا كان حارسا ضعيفا¿ مشيرا إلى خسارة أسبانيا في مبارياتها في (المونديال) هذه المرة, فأجبته: لأن ريال مدريد فريقه, فقال: وأيهما أفضل أن يرفع رأس فريقه أم يرفع اسم منتخب بلاده¿ طبعا هو يقصد أن يرفع اسم بلاده. لم يكن لدي سوى أن أوافقه الرأي.
ما أدهشني هو كيف اهتدى هذا الصغير إلى هذا الاستنتاج الذي يصب في حبö الوطن, وتغليب مصلحته العليا على كل مصلحة. هذا المعنى المجرد الذي لا أظن أن يكون قد فهöمه بعد!
بين السياسة والرياضة شيء من التشابه, مما يجعلهما تحظيان باهتمام كبير. فالأندية الشهيرة كالأحزاب, إن لم تكن أكثر أنصارا وشعبية من الأحزاب التي قد لا تتعدى شعبيتها حدود بلدانها! فكما أن للأحزاب متعصبين وغلاة, فللأندية من يتعصب لها إلى حدö الغلو. وكما أن للسياسيين أتباعا يتأثرون بهم, ويستجيبون لآرائهم حتى الخاطئة منها, فكذلك هم الرياضيون إلا أنهم أكثر شهرة وأنصارا من السياسيين, ولذا تسخöرهم الشركات للإعلان عن منتجاتها فيقبöل العالم على شرائها, ولكن لن نجد سياسيا يصلح لذلك! وفي الرياضة يتعاون لاعبو فريق كرة القدم ليحرزوا (أهدافا) في شباك الفريق الخصم, وفي السياسة ينبغي أن يتعاون السياسيون بمختلف انتماءاتهم الحزبية ليحققوا (أهداف) التنمية والتحديث التي تنهض بأوطانهم.
وأهم ما يختلف فيه السياسي عن الرياضي, أن ارتهان السياسي لأيö منظمة أو حزب خارج وطنه يعد خيانة عظمى يعاقöب عليها الدستور, بينما حين يلعب الرياضي مع ناد خارج وطنه فإنه يرفع اسم وطنه, ويرفöد خزينة بلاده بما يقدöمه لها من ضرائب ورسوم تسهم ولو بجزء يسير في اقتصادها, وهو بذلك يشارك في تنميتها.
وبعد, أليس من الواجب حقا أن تتعلم السياسة من الرياضة, فيتحلى السياسيون بالحدö الأدنى من الأخلاق الرياضية, والتنافس الشريف لكي يحظوا ببعض من محبة الناس التي يفوقهم فيها لاعبو كرة القدم معشوقة الجماهير!