كيف نوقف نزيف الغش !¿

عبدالحليم سيف


في مثل هذه الأيام قبل ثمان أو سبع سنوات إن لم تخني الذاكرة كتبت مقالة تناولت فيها تفشي ظاهرة الغش في امتحانات الثانوية العامة وسواها أوردت في سطورها عينة من الأساليب التقليدية للغش بدءا بـ ” البراشيم” وصولا لاستخدام “الميكرفونات” خارج مراكز الاختبارات تحت وطأة التهديد.. حينذاك طالبت – بكل تواضع- قيادة وزارة التربية والتعليم بدراسة ظاهرة الغش بمختلف جوانبها الاجتماعية والنفسية والأخلاقية والتربوية بهدف وضع حلول ناجعة لمكافحتها حتى لا نصحوا ذات يوم على وقع أنباء “الغش الجماعي ” ونوهت بأهمية التفكير بإعادة النظر في مسألة الاختبارات التقليدية .
وفي اليوم التالي من نشر ذينك المقال فوجئت بالزميل عبد الواحد البحري ” محرر الشئون التربوية في صحيفة الثورة ” يخبرني بأن اللجنة العليا للاختبارات في وزارة التربية والتعليم ناقشت المقالة إياها.. وان الموضوع أزعج البعض فقد سمع احدهم يقول :”ماذا يريد هذا… ” في إشارة للعبد لله. قلت للزميل البحري :” ما الذي يزعج من يتصدر لمسئولية العملية التربوية والتعليمية..أنا لم أهاجم شخصية بعينها..طرقت قضية تهم المجتمع ..لا بل كل بيت يمني ..وما كتبته وقائع وحقائق يعرفها رجل الشارع البسيط أكثر مني …ثم كيف نفهم ما نقلته أنت يا عبد الواحد عن رئيس اللجنة العليا للاختبارات من : أن الوزارة اتخذت إجراءات صارمة لمنع الغش … أليس هذا اعترافا بوجود الغش أصلا…” ..قال الزميل البحري :” يا أستاذ هؤلاء يفهمون ما ينشر عن أية قضية سلبية بمثابة استهداف لهم ولا يستفيدون منها لمعالجة المشكلة …” قلت له :” إذا كان من أوكل إليه أمانة مستقبل أجيال اليمن يفكر بهذه العقلية فعلى التعليم السلام …”.
تذكرت هذه الواقعة وأنا بصدد الكتابة عن قضية الساعة وأعني بها انتقال آفة”الغش” في الاختبارات إلى أزمة “تسريب” أسئلة مواد الرياضيات (الجبر والتفاضل والتكامل والهندسة) والجغرافية لطلبة الثانوية العامة بقسميها العلمي والأدبي للعام الدراسي 2013-2014 بعد ” أن وجدت وزارة التربية مظاريف الاختبارات مفتوحة في محافظتي أبين وحجة ” مما جعل لجنة الاختبارات العليا في صنعاء ” تلغي أسئلة تلك المواد مع سحب أسئلة مواد: اللغة العربية والكيمياء والأحياء ووضع نماذج بديلة لها ” لتمكين الطلبة من استكمال امتحاناتهم وذلك في سابقة خطيرة هي الأولى من نوعها في اليمن أتهم فيها نحو ” 300 تربوي” وفقا لتصريحات قيادة التربية والتعليم المنشورة على نطاق واسع في مختلف وسائل الإعلام المحلية !
في حوار مطول نشرته صحيفة الثورة في عددها رقم (18112) الصادر الأحد الماضي (22-يونيو) وصف الأخ الدكتورعبد الرزاق الأشول وزير التربية والتعليم عملية التسريب بـ “التخريبية وهدفها إثبات فشل الحكومة والدولة ” وقد تم “إحباط سيناريو” من نعتها بـ “قوى الشر” وأكد أن” الوزارة ماضية في انجاز الاستحقاق الوطني للطلاب ” حتى وان كلف خزينة الدولة مبالغ باهظة جراء إلغاء استمارات الأسئلة وتحمل نفقات الطبع والنقل والحراسة والتوزيع.. منها على سبيل المثال ” مليون ومائتي ألف دفتر تقريبا “..وطمئن الوزير الأشول الطلاب والطالبات ” بتحسن إجراءات الامتحانات وأنها ستسير بأجواء آمنة ومستقرة ” .
وبالطبع أن حدثا كهذا لابد وان يدفع الطلاب والطالبات والآباء والأمهات وسواهم من الأفراد إلى أن يعيشوا حالة من القلق من شبح الغش والتسريبات لمساسه المباشر بمستقبل نحو خمسة ملايين تلميذا وتلميذ بينهم ستمائة طالب وطالبة يواصلون هذه الأيام أداء الامتحانات في مرحلتي الثانوية والأساسية وسيقضي معظمهم سنوات في التحصيل الدراسي بجانب أعباء اقتصادية مرهقة يتحملها أولياء الأمور لمواجهة متطلبات الدراسة والحياة .
إن تفشي “الغش” كظاهرة مزمنة يعتبر حالة ليست مثيرة للدهشة وحسب بل ومأساوية بالنظر إلى أن “الغش” في مدارسنا لم يعد ظاهرة محدودة الأثر..بل تحول إلى “فيروس مدمر” اجتاح معظم البيوت..والمصيبة الكبرى أن يشجع الآباء أبناءهم على “الغش ” وليت الأمر يجري “بوسائل ناعمة” وإنما تجاوز ذلك إلى استخدام العنف لفرض “الغش” بقوة السلاح.. حيث بلغ عدد الاعتداءات المسلحة على المراكز الامتحانية للثانوية العامة نحو (142) خلال العام المنصرم وفقا للتربية والتعليم وهو ما تكرر في الأيام الأولى من هذه السنة ما جعل لجنة الاختبارات العليا تقوم بنقل مراكز وتغيير مدراء مراكز أخرى في بعض المحافظات وفي سياق حديثه لجريدة الثورة أشار الوزير الأشول إلى” رصد وتوثيق (896) حالة اختلال من بينها تزوير وثائق وانتحال الشخصية ” حتى السبت الماضي .
وبعيدا عن الإغراق في التفاصيل نجد علامات الاستفهام والتعجب التي تتردد اليوم باهتمام وإلحاح هي : هل لتسريب

قد يعجبك ايضا