العراق الدامي
جمال حسن

من هي داعش¿ ليس هو السؤال المهم لكن من وراء داعش او الاسباب التي استدعت صعودها بهذا الشكل المداهم. كان أحد اصدقائي يثير ساخرا ما تحدث به أحد خطباء الجمعة في مدينة سورية سيطرت عليها داعش منذ اشهر وهو يقول مخاطبا الناس بأنه سيربطهم بالسلاسل إلى الجنة. هذا يعني أنهم وحدهم يمتلكون الدين الصحيح. لكن هذه الصورة المعتمة اليوم فتي الهلال الخصيب بدءا في الحرب داخل سوريا ثم بالهجوم المباغت الذي قام به تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام أو داعش واسقاطها عدد من المدن العراقية يثير تداعيات بدأت مع الاحتلال الامريكي في العراق. وربما يعود إلى ما قبله بسنوات طويلة. وبالتحديد مع صعود موجة الاسلام السياسي بدءا من الثورة الاسلامية في إيران والجهاد الافغاني.
السؤال اليوم من السبب في سقوط العراق¿ كشفت الصحف الامريكية عن طلب الرئيس العراقي نوري المالكي وبصورة سرية للحكومة الامريكية بالتدخل العسكري. هذا ايضا يثير الصورة القاتمة لتصاعد العنف الطائفي في المنطقة. فحكم نوري المالكي افسد العراق بصورة تفوق ما فعله الديكتاتور السابق صدام حسين. فالمالكي ليس فقط ديكتاتور بل ايضا طائفي ومتعجرف. واليوم تترنح الصورة بكل إبعادها أي نشوء العنف الطائفي من بؤرة العراق. لكنه ايضا لا يتبع العراق فقط فهو تداعيات للثورة الإسلامية في إيران. حيث تحولت الدولة الوطنية إلى صورة تبعية لنزوعات طائفية. فإيران التي وقفت بقوة ضد التدخل الامريكي في سوريا يعلن رئيسها روحاني بأنهم سيتساعدون مع الولايات المتحدة في العراق.
بالطبع أكدت واشنطن أنه لن يكون هناك أي تدخل عسكري بري وستكتفي بضرب مواقع تمركز مسلحي داعش. ما حدث ايضا في العراق اعاد للاكراد حق التدخل العسكري في كركوك الغنية بالنفط. وهذا له أبعاد مستقبلية على المنطقة بأسرها. حتى إيران لا تمتلك تلك الرؤية المستقبلية لهذا التدهور الذي ستتبعه تداعيات متلاحقة لن تتوقف فقط في حدودها. إذ أن تكونها من مجموعات عرقية وقوميات مختلفة تشكل أرضا خصبة لتولد هذا النوع من العنف الذي يفرز الطائفية والقومية والذي ينكل بمنطقة الشرق الاوسط. فإيران أيضا أرسلت ثلاث وحدات عسكرية تتبع فيلق القدس والخاص بالتدخل الخارجي إلى العراق. كما أن قائد فيلق القدس العراقي قام بزيارة سرية لإيران. ومنذ دخول القوات الامريكية كان استراتيجيتها واضحة بتسليم العراق إلى طرف طائفي. لكن سياسة الاحتلال أيضا اتكأت على تنفيذ أجندة قاسية في استمرار هذا العنف الطائفي. حيث دعمت الميليشيات الشيعية والسنية على حد سواء. وبعد أن قامت بتفكيك الجيش العراقي سلمت الدولة إلى طرف طائفي ينتمي للأغلبية الشيعية وهذا بحد ذاته يثير الحديث حول تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات: دولة شيعية في الجنوب وسنية في الغرب وكردية في الشمال.
لقد ساعدت واشنطن على اشعال الحرائق الطائفية ومكنت من ديمومتها فهي لم تخلقها حيث أنها ترسبات تشحن العراق منذ قرون. ومع فشل الدولة الوطنية فإنه على فراغها سيتم فرز هذا الخطاب. لم تفشل واشنطن في إيجاد بلد مستقر في العراق. بل على العكس هي حرصت على جعل العراق دولة فاشلة بامتياز. وعندما كانت تدعم طرف طائفي فإنها تدعم الطرف الآخر حتى يتحقق توازن العنف. فهي لم ترغب بأن يهيمن طرف كليا. وعندما سلمت العراق سلمتها لعدوتها ايران. والأخيرة مارست اشكال بشعة من التدخل الطائفي. وبما يتوافق مع صيغتهحا كدولة تمارس القمع ضد الاقليات.
إن حكاية داعش هي صورة مفتعلة لما يحدث في المنطقة. والسؤال من قام بدعمها¿ الم تتواجد على خارطة القتال السورية. وعندما كانت داعش تنجح في دحر الجيش العراقي. يبدو أن صورة أخرى تنتفض لتأديب المالكي الذي بدأ يصدق نفسه كديكتاتور حقيقي في العراق. لكنه أيضا يخسر حيث تظهر أدوات قوته وقمعه عاجزة عن صد عصابات مسلحة وجهادية. ويمكن كذلك تأديب إيران التي انتشر مقاتليها لحماية المقدسات الشيعية. فداعش قامت بتدمير الكنائس والمساجد الشيعية على حد سواء. لكن الصورة الاقرب لنا أن العراق يتهاوى. فنحن نعرف ان واشنطن لن تسمح بسقوط بغداد وكذلك إيران. أما العراق فلن يهدأ فيها الصراع الطائفي. إذ أنه تم حشد مقاتلين من مناطق شيعية. وبما أن الحشد يستدعي العاطفة الطائفية فليس هناك وطن إلا تقسمه تلك الهويات الصغيرة والمتنازعة. إنها حكاية العراق الدامي.