(الريديو) رفيق الليالي المقمرات !!
عبد الرحمن بجاش

ليس كل غياب للكهرباء سيئا, بل ربما يكون فرصة كما هي اللحظة لمسامرة القمر المتسللة أشعته الآن عبر النافذة, وفرصة لان تصيخ سمع قلبك لام كلثوم ترسل أنغامها وصوتا حباها الله إياه وحدها (( من أجل عينيك ..عشقت الهوى )), تلتقط أذنا قلبي بريق اللحظة ( من بريق الوجد في عينيك أشعلت حنيني )), يحتل الضوء مقدمة النافذة يكون علي أن أرى النجوم في سماء مدينة لا تكاد ترى في سماواتها سوى الغبار (( يا فاتنا لولاه ما ) و(هذا فؤادي فامتلك أمره), من غير أم كلثوم تسافر بك من نافذتك إلى حيث الظلال تختبئ في شقوق الجدران هربا من انعكاسات الضياء على الضياح فيخيل لك أن أجسادا ترقص هناك في البعيد, أسافر إلى قريتي كلما دندنت السيدة بصوتها (هذه ليلتي), اترك نفسي على هواها, احمل الراديو الصغير أعلقه على كتفي, واروي ظمئي من الليل والقمر, و(اقبل الليل), وأصوات ما تبرح تترك اذنيك تنبعث من تحت الشجيرات ومرافئ الحنين, وهفهفة الأغصان تداعب سمعك …روحك حيث الصمت اللغة التي يفهمها الكون, ضياء الله قمرا يرسل رسله تلثم رؤوس الآكام, وتتزحلق أنوارها حيث كانت الأقدام هناك تهبط نحو البحر بحثا عن إضاءه تسرج قناديل الأعماق, الراديو وحده ينقلك بين الجبال إلى السهول يهبط بك على الشواطئ حيث أصوات الموجة تلو الموجة تحدثك حكايات العابرين, قصص الناس الذين ذهبوا ولم يعودوا, احرقوا اكباد نساء غزا البياض مفارقهن انتظارا, محمد عثمان عاد ذات ليلة معتمه محملا ب (ريديو) رفيق الطريق يسرد له حكايات الذين ذهبوا بجمالهم وحميرهم وأقدامهم صحاري الحياة باحثين عن مجرد أمل …., وحين عادوا ما وجدوا غير السراب, 40 عاما غابها الرجل بين الموج والموج عله يجد نفسه, ما وجد غير الضياع, عاد ليغني مع محمد انعم غالب (يا بيتنا على الطريق إني أراه طيف), أعاده الحنين إلى بداية المرفأ عله يرى البدايات هناك, لم يبق سوى زورق يتهادى على صفحة الذكريات, لم يجد أمله فعاد من حيث أتى ……., ويظل (الريديو) رفيق الحياة يتنقل معه في البحار وصولا إلى مرافئ الوجد التي تركها, لم تبرح أمكنتها …….عاد وعاد وعاد متمسكا بأمل أصر على انه سيأتي ….والمرفأ القديم حيث ترك أول موجه لا يزال ينتظر …..
