المثقفون .. مجتمع دجاجي
بشير المصقري
حياة المثقف في اليمن يغلب عليها طابع المعاناة التي يندرج تحتها البؤس بكافة صوره فهو يقضي يومه باحثا عن أسباب البقاء ويفني ساعاته في الركض خلف سبل العيش بأقل المستويات الحاضنة للآدمية ويظل واقفا على ضفاف التمني فلا يريد أكثر من ان تكتمل ساعات اليوم والكرامة تستكين بين ضلوعه ولا تجترحها أي توجهات تجلب الاهانة وتحصد الأنتباذ ولنا في تلك الاستطلاعات والمواد الصحفية ذات الصلة بموضوع من هذا السياق عبر وعظات تحدث عن رتل من العوز والحاجة وماعدا ذلك فكل شيئ في مأمن لأن المخارج الله في هذا البلد
وعلى هذا تدور عجلة الزمن ولا متسع على خارطة التمني لأكثر من حجم المعدة ومن نشد سلامة البدن من الله لأن مرض المثقف والأديب هنا قصة أخرى ذات فصول درامية مخيفة
وإلى ذلك يغدو تمسك المثقف بالمبادئ والأخلاقيات والألتزام القويم ضربا خرافيا حيث أنزلق عدد لا بأس به من المثقفين وراء مواقف حطت من قدره صفتهم وشخوصهم ومن قدر المسمى لهيئة مثقف واتجاهات الهوية داخل الثقافي كأديب أو كاتب أو ناقد أو فنان فقائمة الإغراءات طويلة ومن الصعب أمام كثير من الإلتزامات أن يعصب حجرا على بطنه كما يقال في الأوساط الشعبية وهو المحاط بنخب مستغلة تبني علاقاتها معه على أديم من المساومة والمقايضة وتطالبه بتصدير مواقف خادمة للمنهج والفكرة التي تتبناها مما قد يصنع في ذاته بوقا موجها لقناعات لم تكن في يوم من الأيام في روزنامة وعيه فيغدو مستلبا ولا توصيف أمد من تموضعه كظاهرة صوتية أغوائية لقطيع يتنامى كل يوم .. فعطاؤه سيكون واجبا إيديولوجيا جراء التفريخ الذي حجم شخصيته بعدما تتماهى الأهداف الموجهة لخدمة الجماهير والعوام ممن لا يدركون وقوعه بين سندان الجوع ومطرقة الحزب ومضارب الخيبة في الآمال المرجوه لقرائه ومتابعيه .
ولكل هذه الاعتبارات تأثيراتها السلبية على منطقه التفكيري السائر في دروب فكرة مناقضة لكل احساس يحس معه بفراغ يكون جوقة جوفاء من الأراء لتتنامى الدجاجية داخله وتستملكه ( البقبقة)
لقد تحولت ظهيرة المثقف إلى فعل موقت تتمثل نمطيته الفوز بربع دجاج في اي مطعم أو بوفية وهو لا يدرك ان التثعلب قد داهمه من جهتين الضحك على الجماهير بمكر والتلذذ بأكل الدجاج لذلك أشاهد إتساع غث داخل شريحة المثقفين وهم في شرك القهر المنصوب بأيادي الحاكم والمعارض دون أن يأخذ هذان الطرفان في اعتبارهما أن الفقر والجوع ليس مسؤلية المثقف ولكن الالتزام مسؤليته الصميمية وبدلا من ذلك تمعن في إذلاله ولست بصدد التبرير لأي مثقف بالأستمرار في الدجاجية لمجرد انه غرد بعيدا عن السرب وعن مقتضى حاجة بني جنسه من البشر لدلوه وموقفه إزاء العديد من الظواهر والمواقف المرتبطه بمصيرهم لأنه لم يعد هناك أساسا سرب والدجاجية نمط عيش لا يؤمن بالأصطفاف مثلا وفي المجتمع الدجاجي يتفرغ من يمرون في اتونه كل لحظة عن الانتذار لصالح صفة جمعية إلى الإنتذار لصالح رسالة مهما كان إعوجاجها إلا أنه ينبغي تأديتها وماعدا ذلك فالخيار الثاني مرير وهو العودة إلى مواطنة غير بريئة وغير سوية ولاتحظى بأدنى مراتب الإحترام من قبل الجماهير فالتفريخ قد نال منه وصوته سيصبح طنينا فارغا ولم يعد يحمل في نبراته رتما لمن يعولون على دوره ويثقون في رؤيته ووضعه الجديد لا يفتح سوى لسراديب ضالة وبمسمى المثقف النكائي والبكائي والهبائي المعقور المعنى والمنزوع الفاعلية ولعل هذه الاعتمالات الجارفة تنهك قدرته على خلق قضية أو قيادة رأي حصيف يبذر للتنوير ويرسي قطب تقوم عليه خيمة وعي خالد خلود الفكر وعظيم عظمة الإلهام تغترفه الشعوب وتنهل منه الأمم حين تستوحي سير ومآثر قامات سامقة في فضاء الثقافة والفكر والأدب غابت جسدا وظلت نجومها ساطعة في سموات الاوطان وتاريخ البشرية وطبقا لما سبق من طرح لا يلوح في وجداني سوى عبارة أطلقها مثقف يمني كبير ذات حوار صحفي تفيد أن المثقفين في طريقهم إلى المجتمع الدجاجي وعبارة قالها لي أديب وكاتب ومثقف مفادها أنه يكتب من باب الواجب الحزبي في رده على سؤال طرحته عليه عن سر غيابه وتواريه عن الكتابة الإبداعية التنظيرية والفنية والإجتماعية لصالح الرأي السياسي ولا أعتب عليه رغم الصدمة التي انتابتني أمام إجابة من هذا العيار مفعمة بالدجاجية وليست ممهورة حتى بصيحة ديك يطلقها مثقف مع أي إطلالة في مقيل أو فعالية أو في صحيفة أو لقاء متلفز أو أي تظاهرة أخرى ولا يحضرني في الخاتمة إلا عبارة ثالثة قالها شاعر تسعيني في مقال على ما أتذكر وهي أن الدال التي تسبق أسماء بعض حملة الدال لا تعني سوى دجاجة ..