نساء الربيع
خالد القارني
وقوف الحديث عن المرأة عند حقيقة أنها خلقت لتلد الإنسان يجب أن لا يكون وقفا طبيعيا ولا جائزا ولا لازما ولا واجبا بل يتواصل لتكتمل صورة الحقيقة أنها خلقت لتكون للرجل مدرسة في الفضيلة والصبر وإلهاما وعزاء وقوة.
فمن حقيقة الزمن الحاضر أثبتت المرأة أن دورها ابعد وأعمق وأوسع مما صوره التراث العربي “العادات والتقاليد” عن مكانة المرأة جعلنا نكتشف أن الماضي كان بلا حقيقة وربما أن الزمن الآتي سيجعل حاضرنا بلا حقيقة أيضا ولعل من يتابع المرأة العربية “فتاة.. شابة.. أم.. أخت.. خالة ..عمة.. جدة” عبر شاشة التلفاز وهي تجوب شوارع القاهرة والإسكندرية وتونس وصنعاء ودرعا وغيرها من المدن منذ ثلاثة أعوام في تحد واستبسال لآلة البطش والتنكيل قل أن تجد له نظير في تاريخ البشرية على الإطلاق.
هذه النسوة التي تطوي بداخلها أسرارا لم تستطع مدركات الإنسانية أن تكتشف منها شيئا هذا المخلوق البديع الذي أبدع المبدع فيها كل شيء وأحسن يدهشنا اليوم يجعلنا مذهولين أمام اجتهادها حين تخرج رافعة شعارها ببنانها صارخة بصوت ينبض بالحياة لا للظلم لا للقهر نعم للحرية والكرامة الإنسانية.. أمام جهادها صبرا على ما تتلاقاه كل يوم من عذابات واهنات واستحقار وهي ترسل الأنوار إلى هذه الحياة صبر عجز عن تحمله الرجال الأشداء.
إن الضلال والغي والعناد المصاب بهم العقل السياسي العربي هو الذي يجعل البعض منا في الزمن الحاضر يعيش بلا حقيقة هذه الحقيقة التي لا يراها اليوم إلا كل ذي لب يراها في “بنات سبعة الصبح” اللواتي وقفن خلف القضبان بأخلاقهن المحاربة في مأسدة الأسود “شبه الليوث إذا استأسدهم أسدوا” وقفن ليس للمصاولة ولكن للمبارزة بين إرادتهن الثائرة التي هي من إرادة الله وبين إرادة المخرج للمشهد الدراماتيكي الذي في الأخير ركض هاربا خائفا منهن لم يعقب. و لم يستطع أن يدرك أو لا يريد أن يدرك أن “الحرية والكرامة ” لم تعد فكرة تحملها عقول أفراد أو جماعة معينة تستطيع السلطة أن تعتبرها متمردة أو إرهابية بل أنها صارت جنينا في بطن اللواتي أخفقت كل آلات القمع أن تخضعهن أو تلين لهن عريكة. هذه الحقيقية الساطعة القاطعة أن الثورة الإنسانية العربية الكبرى آتية لا ريب فيها لأن صلتها بالمواطن العربي الحر الذي لا يقبل الضيم أو الدنية أصبحت كصلة الجنين ببطن الأم.
ولو أنهم مدركون.. فهذا يثبت انه لا يوجد في الكون شيء يمنع رزق هذا الجنين في بطن أمه بما يساعده على النمو ويأهل قدراته استعدادا لموعد خروجه الوعد الموعود الذين فيه سيسمعون من هذا المولود ما سمعه بنو “عمران” من عيسى. هذه هي حقيقة نساء الربيع العربي حقيقة تجسد أن هن “من يدفع ثمن الثورات وآخر من يجني المكتسبات”. إنه قمة النضال وأعلاه شرفا ورفعة.
في الربيع العربي تعرضت النساء للقمع والضرب من قبل عناصر زين العابدين بن علي مثلهن مثل الرجال. وفي مصر تظاهرت النساء واصطففن إلى جانب أزواجهن يرددن شعارات مناهضة لنظام مبارك وتعرضن للضرب والتحرش والسحل. وفي بنغازي الليبية كان تحركهن هو ما أجج الثورة ضد القذافي حين كسرن الخوف وتظاهرن للتنديد بتوقيف محامي أزواجهن المفقودين. وفي درعا السورية أججت صرخات النسوة الثورة بعد أن عذب أطفالهن بسبب رسومات مناهضة للنظام. وفي صنعاء وتعز سقطن في ساحات الحرية يتشحظن في دمائهن وصار الدم اليمني يسلم على الدم اليمني ويسعى إليه فيعانقه عناق الأحباب.
من اجل ذلك لم يكن عبثا أن يجعل العالم لهذه المرأة يوما تحتفل فيه البشرية بمكانتها ودورها كشريك حقيقي في صناعة التقدم الحضاري.. أما احتفالنا كمسلمين وكعرب فهو كما قال الأستاذ الغنوشي ” تذكير الناس بمظلومية المرأة وعندما تظلم المرأة – وهي زينة الحياة وسر الوجود – تظلم كل الدنيا وعلى إثر ذلك لا يمكن أن ينتظر العالم لا حضارة ولا تقدما”. و أن “الطريق الصحيح لتجذير وتأكيد حقوق المرأة هو الطريق الإسلامي وذلك باعتبار أن الدين الإسلامي يجعل نصرة المرأة عبادة ودعم حقوقها طريقا للتقرب من الله وظلمها غضب لله وتخلف”. وهذا هو الفارق بين احتفال العالم واحتفالنا بيوم المرأة العالمي.