عالم متحول..
عبدالله دوبلة
لأكثر من نصف قرن استمد نظامنا العالمي الراهن والموروث عما بعد الحرب العالمية الثانية استمد الحفاظ على وجوده واستقراره من مبدأ مهم هو احترام وحدة وسيادة الدول على أراضيها كقاعدة وعلى مبدأ حق تقرير المصير كاستثناء..
إلا أن العالم بات يتوسع أكثر اليوم في ممارسة مبدأ الاستثناء على حساب القاعدة وبغض النظر عما إذا كان الأمر صائبا هنا أو خاطئا هناك فهو سيطال الجميع وسيقوض النظام العالمي الراهن ليعيد تشكيل خارطته السياسية لكن بعد سنوات من الفوضى و عدم الاستقرار..
كان التحول الديمقراطي يطرح كأحد المعالجات الناجحة لمشاكل الدول المتعددة الاثنيات وكنت أحد أولئك الذين يؤمنون بهذه المقولة وربما لا زلت إلا أني صرت مؤمنا الآن أيضا أن العالم يحتاج لما هو أكثر من التحول الديمقراطي ليستقر أو قل ليشهد فترة استقرار طويلة الأمد حيث الاستقرار هو أحد المستحيلات في هذا العالم المتحول بطبعه..
لكن السؤال الأهم هو أين موقع العالم العربي من هذا التحول العالمي الجديد¿!. فهو في تشكيلته الراهنة في وجوده وحدوده السياسية كان نتيجة لذلك التحول العالمي بعد الحرب العالمية الثانية على حدود الاستعمار الغربي أو التوسع المحلي. فهل سيحتفظ بوجوده الراهن بعد هذه الموجة الجديدة من التحولات في النظام العالمي¿!.
حتى الآن دولتان عربيتان لم تحتفظا بوجودهما الصومال حيث الفوضى و الحرب الأهلية والانقسام إلى أكثر من كيان ثلاثة منهم رئيسية والسودان الذي أصبح الآن السودان وجنوب السودان مع بقاء المخاطر في الشرق والغرب والعراق المنقسم على نفسه بعد الغزو الأمريكي 2003 سنة وشيعة إضافة إلى إقليم الكرد الذي أصبح في حكم شبه المستقل.
شبح الانقسام يتهدد سوريا المحتربة و المنقسمة على نفسها على خلفية ثورة الربيع 2011 لتقسم معها لبنان أيضا الانقسام يتهدد ليبيا على الرغم من تجاوزها الحرب الأهلية وهو يتهدد اليمن حيث المطالب الانفصالية في الجنوب والضعف السياسي الذي تعيشه الدولة المنقسمة على نفسها بعد الثورة الانقسام المجتمعي الحاد يضرب في مصر مع أنها الدولة العربية الوحيدة ربما في قدم وجودها التاريخي.
بصراحة هو يتهدد كل الدول العربية بلا استثناء فجميعها قادم من تعدد عرقي أو ديني ومذهبي وجميعها بلا استثناء لم تعرف نظمها السياسية الاستقرار بعد على قاعدة المساواة في المواطنة والديمقراطية..
يقولون أن التاجر حين يفلس يذهب للتفتيش في حسابات أجداده القديمة والعرب اليوم هم الأكثر إفلاسا في ممارسة السياسية للعبور إلى المستقبل ولدى الجميع ما يجدونه في دفاتر أجدادهم القديمة حيث العصبويات التاريخية ” الدينية والمذهبية والعرقية” أو التاريخ السياسي الأقدم من التشكل الحديث للدويلات العربية الراهنة.
الحماقات في العادة هي من تقود التحولات التاريخية إلا أنها الأكثر كلفة أيضا.. ولا غير الحماقات ما يجيده العرب حتى الآن..
مثلا. لا ترى الأنظمة الخليجية في غير الإخوان المسلمين وقطر وقناة الجزيرة ما يتهدد وجودهم مع أن الأمر أعقد من ذلك بكثير.. فوجود النظام السعودي مثلا هو ذاته على المحك حيث يواجه مخاطر الانتقال من أبناء الملك المؤسس إلى الأحفاد.. فضلا عن حاجة النظام المستقبلية للتأسيس لشرعيته على مبدأ المواطنة والتحول الديمقراطي لهضم كل الروافد الجغرافية والمذهبية التي تتشكل منها المملكة الآن. ينطبق الأمر على كل الإمارات العربية في الخليج بلا استثناء..
من الحماقة أيضا تلك المقولات التي روج لها مطلع الربيع العربي والتي كانت ترى في “الاستبداد” كل المشكلة لتكتشف بعد التخلص منه أو وهي تقاتل للتخلص منه أن الأمر أعقد وأخطر من ذلك بكثير ويتجاوز وجود الأنظمة إلى وجود الدولة ذاته..
الأخطر من ذلك إذا ما اعتبرنا أن ما يحدث الآن أنه صراعا بين الاستبداد والتحول الديمقراطي “الربيع وضده” وبين المراكز والأطراف “النزعات المحلية”.. أن هناك من لا يؤمن بهذا العالم أصلا ويسعى بكل السبل إلى هدم نظامه الراهن لإعادة بنائه من جديد.. هؤلاء هم “القاعدة” وهم الأكثر استفادة من الصراع الراهن.
بالنظر إلى الأداءات العربية الراهنة المحكومة بالعصبيات والانتقام فضلا عن الجهل والغياب عن فهم اللحظة لا أحد يتوقع تحولات عربية إلى الأفضل في موجة التحول العالمي الجديد فالأسوأ وحده في الانتظار..