هيبة المعارضة
فتحي الشرماني
fathi9595@gmail.com
المعارضة الفاعلة إذا أرادت النجاح تحتاج إلى هيبة من يعارض وحصافته, فمثلما يلزم السلطة فرض هيبتها على الجميع لإنجاح مهامها ومسؤولياتها فإن المعارضة – أيا كانت – لابد أن تتمتع هي الأخرى بقدر من هذه الهيبة أمام الجميع حتى تنجح في تقويم مسار السلطة والتأثير الإيجابي على من يتخذ القرار .. وهذا للأسف أمر تتناساه أحزابنا السياسية, سواء حين تكون في السلطة أو حين تكون في المعارضة.
ما معنى هيبة المعارضة¿ أقصد بذلك ألا تكون المعارضة مجرد إسفاف وتهالك على رفض كل ما يصدر عن السلطة الحاكمة, أي الاعتراض لمجرد الاعتراض, وكثيرا ما يتكشف أنه رفض لشخص من يحكم, لا رفض لسياساته.
ومتى يكون وضع المعارضة على هذا النحو, فهذا يعني شيئين اثنين, أحدهما: أن المشهد السياسي برمته لا ينبني على أساس صحي ديمقراطي, وإن كان مظهره يوحي بأنه كذلك, والآخر: أن هذه المعارضة لا تعارض من أجل الناس ومن أجل ما فيه خير للشعب والوطن, وإنما تعارض من أجل إرضاء نوازع ذاتية وأحقاد تعصف بإحساسها الوطني وتستدرجها إلى العدمية المطلقة.
هيبة المعارضة تعني أن تحتفظ هذه المعارضة لنفسها بمكانة وصوت رقابي وحصيف مؤثر في تفكير من يحكم, بحيث يكون على من يتخذ القرار أن يفكر بعصا الرقابة/ المعارضة الوطنية الموضوعية كما هو الأمر في الديمقراطيات المرموقة في بلدان العالم, أما أن تستهلك المعارضة طاقاتها ونشاطها في المكايدات والعناد واستعداء كل ما يقع على الضفة الأخرى من شخصيات وسياسات وإجراءات وانتظار كل جديد من السلطة لاستهجانه لمجرد أنه منها فهذا يعني أن المعارضة تفقد هيبتها لدى من يحكم ولدى الجمهور لأنها في حقيقة الأمر لا تعارض وإنما تناكف وتعادي وتصارع, وهذا سلوك لا يمت إلى الديمقراطية بأية صلة.
صحيح أن الديمقراطية في بلادنا لا تزال في طور النشوء والارتقاء, سواء الديمقراطية التنافسية التي ولدت مع قيام دولة الوحدة في 90م وتوقفت في 2011م بفعل احتجاجات شعبية, أو الديمقراطية التوافقية التي نعيشها اليوم على طريق العودة إلى الديمقراطية التنافسية عقب صياغة الدستور الجديد والتصويت عليه.
نعم, هذا صحيح, ولكن نحن اليوم بأمس الحاجة إلى اقتناع الأطراف السياسية بضرورة قيام عملية ديمقراطية نظيفة يسلم لها الجميع أمره ويقبل بنتائجها, ثم إذا ما كانت السلطة من نصيب هذا الحزب أو ذاك فعليه أن يستفيد من رقابة المعارضة في اتخاذ القرارات الصائبة ومعالجة الأخطاء .. وعلى من تكون المعارضة من نصيبه أن يهيئ نفسه لهذه الوظيفة الوطنية, بحيث يكون متمتعا بهيبة المعارöض الذي تضعه السلطة في حسبانها لحظة اتخاذ القرار.
أما أن يهبط المعارض بنفسه إلى مستوى من الكراهية والبغض والتأزم النفسي فهذا تفريط بسلطة المعارضة التي تمنحها الديمقراطيات لمن ليس في السلطة, وهو أيضا إغراء لمن يحكم بإلغاء صوت المعارضة من قائمة اهتماماته, ليحكم بعدها وفق نظرة أحادية لأنه سيدرك حينها أنه أمام معارضة سطحية لا تمتلك مشروعا وطنيا, وكل ما لديها هو مجموعة من الكتاب يصدرون اللاءات ويبثون الشائعات ويحبكون السخريات يوميا.
هذه قضية مهمة ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار, فالمعارضة سلاح فعال في بناء الأوطان, وحين نصفها بهذا الوصف فهذا يعني ضرورة أن تكون معارضة لها هيبة وتتعامل بحصافة لأن مفردة (سلاح) تعني الهيبة والجرأة وعلو الهمة والإحساس بالمسؤولية.. فهل يدرك السياسيون ذلك¿!