عن ضرورة إعادة قراءة التاريخ
فتحي الشرماني
أكاد أجزم أننا نحن اليمنيون سرق منا الزمن والصراعات حاجتنا الحضارية للتعامل الإيجابي مع تاريخ اليمن بمختلف عصوره: القديم والإسلامي والحديث, لا من حيث النشر والإحياء فحسب, ولكن من حيث إعادة قراءة تاريخ الإنسان اليمني للإلمام بجمالياته وعثراته حتى نعرف بعدها كيف نتعامل مع الحاضر بإيجابية.
إن هذا الجيل أكثر من غيره أحوج ما يكون إلى التشبع بقراءة الماضي لاستلهام الدروس والعبر, فلكي ننهض لا بد أن ندرك جوانب القوة وجوانب الضعف في الشخصية اليمنية على مر العصور, وكذا مظاهر النجاح أو الإخفاق التي جعلته حينا يتعملق ويحلق, وحينا يتقلس ويضمحل, وبذلك نكون قد وعينا كثيرا من التجارب, واختصرنا الطريق إلى الهدف, ورسمنا طريقا إلى المستقبل أكثر وعيا بما في الإنسان اليمني من قدرات للاستفادة منها.
إن الشعوب الرائدة اليوم لا تدرس التاريخ عبثا أو لمجرد التوثيق, وإنما لتبني على أساسه حاضرا خلاقا ومستقبلا لا يقبل بغير النجاح, وفي الوقت نفسه كان ولا يزال لدى هذه الشعوب حرص على قراءة تاريخ الآخر لتجيد التعامل مع حاضره, ففي تاريخ هذا الآخر تجد ثقافته ومزاجه وإحساسه وتفكيره وإبداعه وأخطاءه, وما أحسن قول من قال:
ليس بإنسان ولا عالم من لم يعö الأخبار في صدرهö
ومن وعى أخبار من قبله أضاف أعمارا إلى عمرهö
وهكذا فإن إعادة قراءة تاريخنا السياسي كفيلة بإنعاش الذاكرة اليمنية التي تتعرض اليوم لكثير من الصدمات التي تفقدها القدرة في بعض الأحيان على تفسير ما يحدث تفسيرا عميقا, فاستحضار التاريخ كحقائق وأحداث وأخبار لا كأحقاد وأضغان وعواطف لا بد أن يقود إلى تكوين وعي جمعي يؤمن بقيمة ما يصنعه اليوم اليمنيون من تغيير وحوار وتوافق برغم كل المنغصات .. فإذا أحسسنا بقيمة ذلك ونحن متشبعون بعظمة الإنسان اليمني وهويته الحضارية, فإننا حتما سنعثر على الإمكانيات الصحيحة للانطلاق اليوم نحو تحقيق الأهداف التي تنقلنا إلى وضع مغاير نستطيع فيه تكوين مستقبل على دراية بكيفية الاختلاف, وكيفية تحويل هذا الاختلاف إلى مصدر إنتاج وثبات ورسوخ, وليس إلى وهن وضعف وارتهان.
هذا كله يقودنا إلى القول: إن الجهات الثقافية والإعلامية والتربوية والأكاديمية تقع عليها مهمة تقديم المادة التاريخية التي يستهدي بدروسها وعöبرها إنسان اليوم.
وقد لاحظت مؤخرا أن قناة (السعيدة) الفضائية تبث حلقات رائعة مع الأستاذ الدكتور صالح علي باصرة بمعية الإعلامي محمد العامري, يسرد فيها باصرة معالم التاريخ السياسي الحديث في اليمن, بعقلية المؤرخ الواعي والأكاديمي الحصيف الذي يلقي الضوء على كثير من المحطات التاريخية, بأسلوب سلس يضعنا أمام استخلاصات يصل إليها المشاهد بنفسه, وهذا سبق إعلامي يحسب لقناة (السعيدة) وللقائمين عليها, وهو في الوقت نفسه جهد مشكور للمؤرخ باصرة, وشاهد حي على فاعلية العقلية الأكاديمية التي لا تتبخر في مكتب الوزارة, كما يحدث لأكاديميين يستوúزرون فيتجمدون ثم يذوبون.