ليس رفضا لخيار الأقاليم ولكن مساهمة في ترشيده (3-5)

د.عبدالواحد العفوري


 - تأسست الجمهورية اليمنية  في 22 مايو 1990م كدولة أحادية بسيطة كنتيجة لاندماج كل من الجمهورية العربية اليمنية (شمال اليمن الجغرافي) وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية
الوضع الراهن للامركزية في اليمن

تأسست الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م كدولة أحادية بسيطة كنتيجة لاندماج كل من الجمهورية العربية اليمنية (شمال اليمن الجغرافي) وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (جنوب اليمن الجغرافي) وقد كانت كلا الدولتين الشطريتين تطبقان”اللامركزية” بدرجة محدودة ورؤى مختلفة نوعا ما حيث اعتمدت الدولة الجنوبية مبدأ تقديم الخدمات على المستوى المحلي بهدف تحقيق الكفاءة والمشاركة بينما دعت الدولة الشمالية إلى إنتخاب المجالس البلدية كأسلوب لفتح الباب أمام المواطنين للمشاركة “السياسية” على المستوى المحلي ويعود التباين المشار إليه إلى اختلاف الخلفية القانونية للمشرع في كل من الدولتين السابقتين حيث تم الأخذ بالنموذج الإنكليزي في الشطر الجنوبي قبل الاستقلال عن بريطانيا واستلهام منهجية التشريعات الاشتراكية بعد تحقيق الاستقلال وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بينما آخذ المشرع في الشمال بعد قيام النظام الجمهوري “بمنهجية” التشريع المصري -ان جاز التعبير- المتأثر بالنموذج الفرنسي. وقد اقترن قيام الجمهورية اليمنية بإقامة نظام سياسي يقوم على الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية وصيانة الحقوق العامة والمدنية كما أكدت على ذلك المواد(4 5 6) من الدستور اليمني. ونصت المادة (146) على تبني الدولة الوليدة التوجه نحو اللامركزية من خلال إقامة سلطة محلية على مستوى المحافظة والمديرية وتشكيل مجالس محلية منتخبة وفي هذا السياق جرى إصدار القانون رقم (52) لسنة 1991م الذي قضى بقيام المجالس المحلية على أساس المزج بين الانتخاب والتعيين ولكن هذا القانون لم يدخل أبدا حيز التنفيذ ولم تبدأ عملية “التطبيق” الفعلي للامركزية الإدارية والمالية إلا بعد صدور قانون رقم (4) لعام 2000م بشأن السلطة المحلية وما تلاه من قرارات جمهورية صدرت بعدد من اللوائح والأنظمة لغرض استكمال الإطار التشريعي للامركزية والذي على إثرها جريت أول دورة انتخابية للمجالس المحلية للمحافظات والمديريات العام 2001م ولأول مرة في تاريخ اليمن الجمهوري تم تفريع الموازنة العامة للدولة إلى قسمين أساسيين الأول يتضمن موازنة السلطة المركزية والثاني يتضمن موازنة السلطة المحلية وذلك ابتداء من العام المالي 2002.م
غير أن جميع التقييمات الموضوعية المنصفة التي جرت خلال الأعوام الأخيرة لتجربة اللامركزية في الجمهورية اليمنية والتي أجرتها في الغالب هيئات ومنظمات على قدر معقول من الحياد أكدت أن اللامركزية الإدارية والمالية في اليمن لا تزال مجرد واجهة مظهرية سطحية أكثر منها نظاما قائما متجذرا ضمن نسيج البيئة المحلية له استراتيجيته الواضحة وله أهدافه وقواعده وآلياته المستقلة الراسخة ويضطلع بصورة فعلية بالقيام بوظائفه ومهامها المبينة في القانون على محدوديتها وضبابيتها فالاستقلالية الإدارية والمالية للسلطة المحلية في المحافظات والمديريات وتناغم أدوارها ومهامها على المستوى المحلي لا تزال محصورة في الإطار الشكلي وفي أضيق الحدود ولا تزال الحكومة المركزية ممثلة بوزارة المالية والوزارات السيادية والقطاعية الأخرى ومكاتبها وفروعها ووحداتها في المحافظات والمديريات هي صاحبة اليد العليا الثقيلة في تسيير كلما يتصل بالشؤون المالية والإدارية للسلطة المحلية وذلك وفقا لتوجهاتها وسياساتها وأنظمتها الإجرائية المشبعة بالطابع المركزي حيث لا تحتل فيها الاعتبارات الخاصة بالسلطة المحلية سوى مساحة محدودة للغاية لا تتعدى القشور الخارجية. لقد أدى عدم استعداد المركز للتنازل الطوعي عن القوة المالية ومقاومته لنقل جزء من الصلاحيات الإدارية المركزية ناهيكم عن تفويضها إلى المستوى المحلي وخوفه من فقدان السيطرة إلى تحويل اللامركزية المالية والإدارية إلى مجرد ممارسة شكلية عاجزة عن تحقيق أي قدر من الاستقلال الإداري والمالي الحقيقي للسلطة المحلية وبقاء الجهاز التنفيذي الإداري والمالي للسلطة المحلية تابعا ووكيلا للوزارات والهيئات المركزية بينما المجالس المنتخبة لا يتجاوز دورها المباركة الصورية لأعمال الجهاز التنفيذي الذي يتبع فعليا للمركز ويأتمر بأمره لقد انتهت تلك التقييمات إلى إطلاق دعوات عاجلة للحكومة لمباشرة إجراء إصلاحات جوهرية شاملة للوضع القائم لنظام السلطة المحلية وبحيث يتم التأسيس للانتقال إلى نظام حكم محلي حقيقي يفضي إلى قيام وحدات حكم محلي تتمتع بالاستقلالية الذاتية والموارد والقدرات الكافية لتلبية احتياجات مجتمعاتها المحلية من الخدمات الأساسية وان تلعب دورها في التصدي للجوع والفقر والبطالة التي تتفاقم معدلاتها من يوم لآخر بصورة كارثي

قد يعجبك ايضا