من أنتم¿.. بصوت الشيطان!
خالد القارني
من أنتم¿! عنوان مسلسل كوري يحكي “قصة رجل كان يقوم بخدمة التوصيل السريعة للمنازل مات وترك ابنته وحيدة تعاني قسوة الحياة ومضايقة زملائها في العمل وخاصة الشاب “سون يونغ”.. ومن شدة حب أبيها لها قرر بعد موته أن يستعمل جسد هذا الشاب بالقوة فأصبح الشاب ممسوسا بروح والدها الذي أراد بذلك الاعتناء بابنته لمدة ثلاث ساعات يوميا. وقد اكتشفت ابنته ذلك حين شعرت بأن الشاب أصبح لطيفا جدا معها”.
وفي مشاهد هذه القصة ما يتقاطع مع ثورات ” الربيع العربي” التي بدورها تعرضت لمس الأشباح الشريرة التي تحاول “إعاقة” هذا الوليد وتشويهه أو قتله أو تصويره وكأنه “مس شيطاني” أصاب بعضا من المجتمع و يجب عليه التخلص منهم.
وارتفع صوت الأشباح عاليا عبر الأجساد البشرية المؤمنة بها من أنتم¿! في حالة هستيرية نتيجة الصدمة وصعوبة فهم المعادلة الماثلة أمامهم. فأجاب تلاميذ الحرية الخارجون عن عصا الطاعة نحن من عليكم الاعتراف بوجودنا وحقوقنا وعليكم أن تجيبوا على هذا السؤال بأنفسكم من أنتم¿ حتى تستعبدونا هذا الزمن الطويل. سؤال مزلزل مليء بهواجس البحث عن تركة الماضي الثقيل والحاضر القائم والمستقبل الذي لم يعد غامضا. سؤالا وضع علماء النفس له تفسيرات كثيرة للذات فكان لها مركبات منها الأنا العليا والأنا الدنيا… إلخ. من أنتم¿ لم يكن استخفافا أو تحقيرا بقدر ما هو سؤال حقيقي نابع من العجز عن عدم القدرة على فهم ما يحدث لأنها لم تتلق دروسا كافية في فهم شعوب تريد الحياة.
مر أكثر من عامين على “الربيع العربي” والإجابة على السؤال لم تكتمل بعد رغم محاولات تلاميذ الربيع أن يجعلوا الشعوب شهودا لحضور الثورة في حياتهم. كما “طلب السيد المسيح من أتباعه “تلاميذه” أن يكونوا ملح الأرض ونور العالم. و يكونوا شهودا لحضور الله في حياتهم” غير أن التلاميذ لم يسمعوا لنصحه ووعظه.
و في تصوري أن السبب يكمن في أن “تلاميذ الربيع” لم يفرقوا بين حالة المخاض وحالة الولادة الشعوب العربية بدأت مذ أكثر من عامين تتلمس طريق “الكشف” عن ذاتها وحريتها وكرامتها مجرد “محاولة اكتشاف” أولا للذات ومن ثم لمعرفة ما حولها هذه – بالطبع – مسألة طبيعية تحتاج لسنوات – ربما تطول – حتى نحسم الإجابة عليها لأن الأمم تحتاج لنهضتها عقود.. وتضحيات.. ولا يتوقف الحكم عليها في سنوات.
لقد كان هذا خطأ “الربيع العربي” تكاثرت بسببه حالات الهرج والمرج وخلط للوهم بالأحلام والواقع بالمفروض أصاب الناس الحيرة عدم الفهم اليأس.. ذاك يصرخ أنها ثورة وذاك يرد أنها أزمة. كل طرف يوصف في أدبياته ما حدث بما يتناسب مع أحلامه “كل يغني على ليله”. وما تزال الاشتباكات حاضرة بين الإسلامي والعلماني بين الديني والمدني بين الديمقراطي وغير الديمقراطي…إلخ .
وبما أن سنن الكون اقتضت أن تكون هناك أشياء خارج دائرة سيطرتك أمور سابقة عليك ولاحقة لك ومزامنة لك فان ضعف قدرة المجتمع على الاتصال داخليا مع مكوناته أفرادا وجماعة خلق لدينا اضطرابات الهوية “من أنتم¿” كمشكلة أولى واجهت عقل الربيع العربي وهي أشبه بفترة “المراهقة” من الصعب أن يحسم مستقبل المراهق قبل انقضاء فترة المراهقة.
إن غرور المراهقة دفع بالثوار لاختزال “ثورة” في خطوات سياسية تحققت بصورة ركيكة وضعيفة لا تستوعب جزءا من الثوار فما بالنا بجميع الثوار أو بالثورة نفسها.
ما حدث في اليمن أو مصر أو تونس لم يحقق1% من معايير مفهوم الثورة وها هي شواهد الارتداد تتلاحق في هذه البلدان لكن هل نفسر ذلك بتفسير طفولي ونعتبر أن الثورات فشلت كما يريد المقامون للثورات أو نعتبر أن ما حدث ثورة كاملة الأركان كما يعتقد المراهقون¿!. أن الواقع الملموس يثبت أن لا هذا ولا ذاك وقد اشرنا سلفا أننا مازلنا في مرحلة المخاض الثوري العسير “اكتشاف الذات” وهذه من أعظم مراحل صناعة المستقبل.
لا ريب في أن إرهاصات قرب ولادتها أصبحت قوية ومشاهدة سيكون اسمها “ثورة المشروع” هي امتداد للصراع الثوري اليوم.. هذه الثورة لن يكون فيها فترة انتقالية ولا مبادرات ولا حوارات ولا حصانات ولا انتقامات وتصفيات حسابات واغتيالات ولا دور إقليمي ودور دولي ولا قرار أممي وبند سابع سنتجادل عليه ولا خارطة طريق كاذبة ولا شخابيط الماضي المظلم.. سيكون رجالها من أنقى رجالات المجتمع لا بنسبهم وحسبهم ومالهم بل بأيمانهم بعدالة قضية أمتهم ” عودة دورها الكوني” واسترجاع كرامتها الموءودة بين التراب. ستكون لغتها لغة المستقبل والمستقبل فقط. على الجميع أن يؤمن بهذا اليوم الآتي الذي لا شك فيها ومن ثم الا