للمدعممين .. فاهمين !!¿
جمال الظاهري
أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي جزءا لا يتجزأ من حياة الأفراد بكل تصنيفاتهم .. حيث يشكل العالم الافتراضي عالما آخر يوازي عالمنا الحقيقي ويتعاطى مع إيقاع حياتنا اليومية بكل تفاصيلها, حتى أنه يفوقه أحيانا بطرح الأمور الخاصة وما نخجل من طرحه في واقعنا الفعلي, وإمكانية ذلك كبيرة أقلها أن تطرح ما في نفسك دون مواربة أو حسابات, فقط انتحل اسما أو كنية وانطلق دوöن, انتقد, اشتم, امدح, ناقش بحرية, مع الجميع أو مع من تريد, لا حواجز ولا قيود ولا خوف..
كون صداقات اطرح مشكلات, سافر مع خيالك, عبöر عن اهتماماتك, حتى وسائل هذا العالم صارت أقرب وأسرع وأقل كلفة من كل الوسائل الأخرى وفي متناول الإغلبية, عبر جهاز ثابت في البيت أو في العمل, أو عبر الهواتف الذكية المتعدد الميزات والموديلات ..
هذه الخدمة التي قلبت حياتنا رأسا على عقب كسرت كل القيود واختصرت المسافات وحطمت كل العقد وكل العوائق, جعلتنا نهيم في سماء لا سقف لها ولا أخطار.. كيفما تحب وتريد كبسة زر وتجد نفسك محلقا في عالم آخر ينسيك طعامك وشرابك واسمك ويطلعك على ما لم تتصوره ولم يخطر لك على بال..
سهولة وإمكانية التعامل مع هذه الخدمة وعالميتها وتحررها والكم الهائل والمتنوع مما تضعه بين يديك صار أمرا لا مفر من التعاطي معه وبما يحمله من سلبيات ومن إيجابيات, ما عكس آثرها العميق على حياتنا العملية وعلى علاقاتنا الاجتماعية مع بعضنا البعض, وفي محيطنا الأسري والعملي والمجتمعي وفي نشاطاتنا اليومية .. ما يعني أننا عرضة للتأثر بما يحمله هذا العالم الافتراضي, وأيضا يعطينا الفرصة كي نكون مؤثرين بما نضيفه اليه, غير أننا عرضة للتأثر بما يمدنا به بصورة أكبر من تأثيرنا على محتواه.
هذا العالم له بوابات ومنابر كثيرة ومسميات تفوق ما نتصوره .. غير أن هناك بوابات أو نوافذ أو منابر فرضة نفسها وأوجدت لها مساحة وجمهورا أكبر وأكثر من غيرها.. أهمها موقعا التواصل الاجتماعي (تويتر – وفيس بوك) اللذان أصبحا منبرين لمن لا منبر له فهما يضجان بالجماهير من كل الأطياف وكل الفئات العمرية وبالجنسين دون تمييز يستقطبان كل الفئات العمرية وكل الشرائح الاجتماعية -المثقفين والمفكرين والكتاب والفنانين والعمال والطلاب وكل الشرائح بلا استثناء. من يهتم ومن لا يهتم تجده موجودا فيهما .. حتى فئة «المدعممين» الذين يعرفون بعدم المبالاة وعدم الاهتمام تجدهم حاضرين في هذا اللفيف, ولسان حالهم يقول: “مع الخيل يا شقراء”.
وإن كانوا لا يحملون رأيا وليس لديهم ما يقدمون فهم حاضرون وبقوة وخاصة في مواضيع الإثارة كمغردين أو معجبين أو معلقين يهاجمون هذا ويساندون ذاك, ويصدرون أحكامهم العبثية والسخيفة ويتصدون لكل رأي وكل فكرة بالنقاش دون فهم أو إدراك, بلا استيعاب واضح ورؤى منطقية, أي (بلا احم ولا دستور) كالجمل الاعتراضية التي لا محل لها ولا لزوم.
هذه الفئة (المدعممه) التي تعرف بأنها فضولية وحماسية وسطحية وأنها تفتقر للمعرفة ولا تعي معنى اليقين ولا تفهم الفرق بين الحقيقة والخيال ولا المنطق من الافتراضي ولا الصواب من الخيالي وجدت لنفسها مكانا فسيحا في هذه المنابر وأعطتها حصانة إضافية وفسحة تفوق ما أعطاها الواقع الحقيقي .. فهي تناقش وتهاجم مستخدمة كل اسلحتها دون أي رادع .. ماذا تريد وما غايتها لا أحد يعرف.
تجاوزات هؤلاء وصلت حد تعكير صفو مفهوم النقاش الذي تبتلع فيه الفكرة وتحجب المنفعة والمردود.. أحبطوا من يبحث عن الاستفادة وكدروا صفو اللقاءات وسفهوا القيمة الراقية للحرية.. تجدهم متحفزين لتصيد الأخطاء وشخصنة الآراء لمجرد أن الفكرة لا تعجبهم فهم لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب ولا تدري ماذا يريدون.
هؤلاء حضورهم أشبه بحضور فيروسات الشبكات والأجهزة التي تصيبها بالعطب .. يتسببون بمشاكل لا حصر لها.. الفرق الوحيد بينهم وبين تلك الفيروسات, أن هناك مكافحات للفيروسات فيما هؤلاء لا مناص من التعايش مع سخافتهم وحمقهم وبذاءاتهم .. لا مفر أبدا .. انتهكوا كل شيء في هذه الوسائل العصرية للتواصل الاجتماعي ولم يدركوا أنها ليست ساحة للإساءة وتبادل الشتائم والعبارات المسيئة.
لم يدركوا أن تجاوزاتهم للسقوف الأخلاقية معيب, وأن عدم احترام الآراء لا يعني إلا جهل من لا يعطيها وزنا وأن الحرية لا تستقيم إلا بقيم الاحترام المتبادل وانتقاء العبارات التي لا تسيئ ولا تجرح, لذا نقول لأصحابنا (المدعممين) إن لم تحترموا من تختلفوا معه فإنكم في الآخر لن تجدوا من تكورون فوقه على صفحات وسائل التواصل الاجتم