البردوني في صقيع بكين
كتب / محمد محمد إبراهيم

(يا كل شوط تطاول لن نقول متى ¿! / ننهö ولا كمú قطعنا منك امتارا !!/ تمتد نمتد نصبي كل رابية / وندخل المنحنى والسفح افكارا ) كنت وروح الشاعر عبدالله البردوني والدكتور عبدالله الشامي –استاذ التخطيط التربوي بجامعة صنعاء- نتمشى بخطى وئيدة في إحدى كبريات مراكز التسوق في بكين وللصقيع لفح يجمد الخدود كان نقاشنا الجöدöي مستفحل حول النهضة الحضارية التي تعيشها تلك المدينة العالمية الكبرى بواقع يتجاوز استيعابنا لما نراه .. فطلت من ذاكرتي أبيات كثيرة للشاعر البردوني ولكن أهمها الأبيات المذكورة آنفا وهي من قصيدة البردوني..
قلت في نفسي قد يتساءل الدكتور الشامي عن الشاهد في هذه الابيات ونقاشناـ فبادرت بالإجابة قبل أن يسأل : ما أفهمه من البردوني في هذه الأبيات أن الفارق كبير وبالعصور الضوئية بيننا وبين الصين في حال فكرنا في الذهاب في مسلك الأمة الصينية.. ربما لأننا أمة أتقنا الماضي ولم نفقه الحاضر بعد.. بينما الصين أمة أتقنت الماضي وتفننت في استيعاب الحاضر.. ورغم هذا ثمة قواسم مشتركة تجمع الأمة العربية والصينية انسانيا وثقافيا وتجاريا …
واصلنا النقاش والبردوني يقطعنا في كل لحظة… كان ذلك في اليوم الأول لوصولنا بكين.. وفي اليوم التالي جاء الدكتور الشامي قائلا : “لقد وجدت لك بردوني” يقصد شخص يحفظ ويردد قصائدا للبردوني.. لم ألتفت لهذه الملاحظة.. و مع عودتنا مساء اليوم الثاني من برنامج الوفد تفاجأت مع دخولي مصعد الفندق -الذي سبقني إليه نفر من الأشقاء العرب- بأحد أعضاء الوفد ينظر إلي مرددا : (عرفته يمنيا في تلفتöه… ) لم أمهله يكمل بل التفت إليه مكúمöلا :(… خوف وعيناه تاريخ من الرمدö).. استمر صوته الـمشحúرöج بالشجن والمليء بإتقان اللغة العربية: (من خضúرةö القاتö في عينيه أسئلة/ صفر تبوح كعود نصف متقدö).. كنت أنظر إليه وأتساءل في نفسي: كم من هذه الوجوه ينتمون لليمن وكان يبدو إنه يمني بملامحه بفارق نقاء عينيه من خضúرة القات.. أجبت: نعم أنا يمني.. ابتسم ومد يمينه يصافحني رادا عليا بمحياه الوضاء والباسم : وأنا من السعودية.. إنه الأديب والصحفي المثقف الشاب فهد عبدالله العجلان نائب رئيس تحرير صحيفة الجزيرة السعودية –جريدة يومية تأسست عام 1960م – كدت أطير فرحا وأنا أردد كلمات الشكر والثناء له.. إنها لحظة غمرتني بفرح وفخر كبيرين أما الفرح فكان مبعثه حفظي لبعض أبيات قصيدة (غريبان.. وكلاهما الوطن) لأديب اليمن وشاعرها الكبير الأستاذ عبدالله البردوني- رحمه الله-.. فيما كان مبعث الفخر الكبير في وجود أحد في وفد الشباب العرب يحمل في صقيع بكين ما أحمله من غمائم الشعر والشجن وأن في القوم من يحب البردوني ويحمله وجدانا وأدبا وقيما من التواضع والجمال الروحي.. تعارفنا بحماس وأحاسيس أخوية صادقة والتقت فينا هواجس الشعر العربي الأصيل وتناقشنا – فيما تيسر لنا من وقت الفراغ في البرنامج أثناء تنقلنا من مدينة لأخرى ومن محطة لأخرى- في شعر البردوني والمقالح ونزار قباني ومحمود درويش وسعيد عقل في العصر الحديث وحول شعراء العصر الجاهلي والاسلامي كالمهلهل بن ربيعة والحارث بن عباد -فارس بكر وتغلب- وعمرو بن كلثوم بن مالك التغلبي وأمرؤ القيس بن حجر الكندي والمتنبي وغيرهم من الشعراء.. وعرجنا على العلاقات اليمنية السعودية ودور المملكة الايجابي واللافت في راهن ما مر ويمر به اليمن وصولا إلى التسوية السياسية والمبادرة الخليجية التي ارتضتها القوى السياسية بعد مساعي خليجية محمودة بإشراف شخصي ومباشر ودعم لا محدود من رجل السلام التاريخي الأصيل جلالة الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله- الذي لولاه -بعد الله – ما كان لشمل تلك القوى أن يلتئم تحت سقف واحد للإمضاء على خارطة التسوية السياسية المتمثلة في “المبادرة الخليجية” بعد أن ضاقت الأماكن اليمنية بتلك القوى واستعصت السياسة على قيم الإخاء والتعايش المعهود بين اليمنيين..
في طريقنا من تيانجين كان الاعلامي والأديب فهد العجلان بجواري وأسمعني هذه الأبيات من قصيدة ( غريبان وكلاهما الوطن) حيث يقول البردوني:
عرفته يمينا في تلفته خوف
وعيناه تاريخ من الرمد
من خضرة القات في عينيه أسئلة
صفúر تبوح كعود نصف متقد
رأيت نخل (المكلا) في ملامحه
شميت عنúب (الحشا) في جيده الغيد
من أين يا بني ¿ ولا يرنو وأسأله
أدنو قليلا : صباح الخير يا ولدي
ضميته ملء صدري… أنه وطني
يبقى اشتياقي… وذوبي الآن يا كبدي
يسعد صباحك يا عمي أتعرفني ¿
فيك اعتنقت أنا قبلت منك يدي
لاقيت فيك (بكيلا) (حاشدا) (عدنا)
ما كن