عاهات السياسة
أحمد الشرعبي
ما الذي يجعل مجتمعاتنا العربية شديدة الشغف بتشكيل الحكومات..¿
يحدث هذا لغير ما سبب حينا وعلى حساب أسباب جوهرية أجدر بانشغالات المجتمع وأولى بعناية مواطنينا من التحليق المربك فوق برمودا السياسة وصراعات النخب واعتمالات كل تشكيل حكومي جديد أو تليد.
حين يتحلقون جوار بعضهم لتداول أخبار الحكومة القادمة تحسبهم بصدد الحديث عن واحدة من ليالي القدر بينما تقول مختلف التجارب أن حكوماتنا العربية – واليمنية تحديدا – لا تعني الناس ولا تشكل في سبيل خدمتهم وليس من شأنها الحظوة بثقتهم وكما جرت عادات الساسة في وطننا العربي فمعظم تلك الحكومات تذهب أو تجيء وما من متغير جدي يستدعي الانتباه غير انتفاخ الأوداج وتكدس الأرصدة المالية للبيادق المدللة وأصحاب المعالي في حكومة لا أدري حد وصف الوزير الأول في فأركهلستان الثورية!!
أدق الصور وصفا لجماعات الاستحواذ الحزبي على الشأن العام رسمتها ريشة الشاعر المبدع الفقيد (بيرم التونسي) في قصيدته ( المجلس البلدي) حيث توظف مقدرات الأوطان وتجير مصالح الشعوب لتأمين حاجات القنفذ المتغول في جسد السلطة.
تتداعى الأزمنة على شاشة العرض وتتراص ذكريات الناس لنستخلص منها ندبا غائرا أو تراجيديا كوميدية تعيشها المجتمعات ضمن مألوفاتها الاعتيادية لمرويات التطبيع على القهر وهنا يصبح على قوى الثورة اقتسام تركة المستبد الفرد وما كان مصابا واحدا يغدو مشتلا رحبا لمصائب تثري تجارب التنوع العبقري لمصادر الأذى الوطني المعولم أميركيا.
تبرز سمة التخلف في هذه الأنساق البدوتارية المواشجة بين خواء الأمعاء وخواء العقول وحيث ينصرف القطيع الكبير للإفطار بأخبار الحكومة الجديدة ويجتهد الخيال الشعبي الخصب في تداول الأسماء وتوزيعها بعدد الحقائب والشح ليس دأب هذا الخيال فكلما اتسعت قائمة المتهافتين كلما أمعن الناس في اجترار خبرات الفساد السياسي (ومثلا) كانت لدينا في اليمن وزارة للإعلام والثقافة ثم صارت ثلاث وزارات واحدة للإعلام وأخرى للثقافة وثالثة للسياحة على حين غابت الثقافة وتقبيل الإعلام وغدت المزارات السياحية ساحة لتجارب الخطف وجماعات السلاح.
وإذ لا يتسع المقام لرواية أسفار العرب في محيطات السلطة وحروبهم المقدسة على هواجسها ونضالاتهم المكدسة على أضوائها الباهتة وريعها الكريه نقتصر تناولتنا على بؤرة اللغط المستديم حول تشكيل الحكومات أو تعديلها.. ذاك أن بلدانا عديدة لها وزنها الاقتصادي والسياسي والعلمي ولا يكترث سكانها بمن يحكم قدر اهتمامهم بكيفية الحكم ومردوده على مصالحهم ومقدار التوافق بين أداء السلطة من جهة ومضامين العقد الاجتماعي من ناحية أخرى ومتى جاءت الممارسة خلافا لحقوق المواطنة وواجباتها وسيادة القانون وحتميته فمن وقتئذ تزأر الشعوب وينبعث حمم الغضب من أعماقها انتصارا لدساتيرها النافذة وقوانينها المحترمة وما عداه من اعتبارات سياسية لا تتوانى المجتمعات المتطورة عن ركنها في سلال المهملات التي تستقطب شريحة محدودة من المصابين بعاهات السياسة.. أما نحن فنقضي معظم الوقت على تسقـط أخبار الحقائب الوزارية المتاحة أمام طابور طويل من الباحثين عن عدسات تصوير وشاشات عرض وجمهور من الدمى المستلبة.
أتحدث عن بلد موجوع يبلغ تعداده نحو 25 مليون نسمة بينما يحتكر أقل من 3% من السكان ما يجاوز الـ 90% من الوظائف العليا في دولاب الحكم وحركة الاقتصاد ومراكز النفوذ الحزبي والقبلي.
لا ريب أن لكل ذي إثرة بصمته السحرية على مختلف مجالات الشأن العام ونادرا ما شكلت حكومة جديدة لا يكون أغلب وزرائها ضمن قوام سابقتها¿
السأم من تكرار الوجوه نفسها في عهد المستبد الفرد استدعى الوصول إلى نصف ثورة جربنا حقبتها التاريخية بحكومة وفاق ذائعة الإنجاز فماذا يغري المجتمع على استهلاك وقته نهما بمخرجات تعديل حكومي وشيك..¿
القضية ليست استبدال حكومة بأخرى ولكن في مضامين وأهداف واستراتيجيات الإبدال والإحلال..
أليس غريبا في مثل أحوال اليمن أن تتناطح الأحزاب على احتساب حقائب المالية والنفط والكهرباء في حصة كل منها فيما يبدي كل طرف رغبته بالتنازل عن حقائب الثقافة والبحث العلمي والتعليم المهني للطرف الآخر..¿
إن كان هذا مستوى وعي الدوائر العصبوية التي تتبارى على إغلاق نوافذ المستقبل أمام متخذ القرار ليغدو التعويل على أداء حكومي أفضل ضربا من الجنون إن لم يكن هو الجنون ذاته.. فعلى أي شيء يكون الرهان إذن¿ وعلى ماذا نأسى أو نأسف!!
إيماءة