” نحن المجرمون”
عبدالحليم سيف
تحت هذا العنوان الصارخ كتب الأستاذ الدكتور سليم الحص رئيس وزراء لبنان الأشهر في “الخليج ” الإماراتية بعددها (10433) الصادر يوم 12ديسمبر2007 مقالة طويلة مجلجلة يرثي فيها وطنا جميلا هدمه ساسته وأتباعهم في غمرة “هوس” يتدفق حقدا وكراهية عبر نشرة أخبار القنوات الفضائية ” ومانشتات المواقع الإليكترونية والصحف الورقية وكأنه –أي الهوس- ينذر البشرية بمخلوق مرعب غريب الأطوار ينتمي لفصيلة آكلة لحوم البشر يخون وطنه ..يقترف أشنع الجرائم ..يرتكب المعاصي..تارة باسم الديمقراطية وطورا من أجل الوحدة الوطنية وحق المصير وتاليا تحت شعارات نصرة المظلومين والمستضعفين وتحرير الأقصى وكل فلسطين !!.
والحقيقة أن “السياسي المغامر” في أي بلد يحتاج إلى شجاعة نادرة أكبر من المعتاد لكي يصارح قومه بما اقترفت يداه من آثام وجرائم بحق وطنه وهذا هو جوهر ما حملته كلمات الحص الصريحة التي تستحق في ما نحن فيه اليوم التوقف أمامها مطولا للتأمل والتدبر لمعرفة أسباب الكامنة وراء استمرار تدفق شلال الدم من أجساد أبرياء يدفعون ثمن تناحر أصحاب المصالح على حب السلطة حتى آخر مواطن .
وأنا أعيد قراءة المقالة إياها شعرت بالطبع أن زلزال ” اللبننة ” و”الأفغنة” و”البلقنة ” و” الصوملة ” يضرب بشظاياه “الطائفية ” و” المذهبية ” المنطقة العربية على نطاق واسع بعد ضياع بلاد الرافدين ليس بفعل غضب الطبيعة وإنما بجنون ضعفاء النفوس ممن وقعوا دمى في فخ مخططات خارجية فذهبوا يقاولون في شن حروبا همجية تخريبية فحطموا الأوطان وهجروا السكان وارتكبوا خيانة عظمى بحق وطنهم وأبناء جلدتهم ودينهم قبل أن تكون أم الكبائر وكما جاء بالحديث الشريف: ” لهدم الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من إراقة دم امرئ مسلم “.
– فمن منا يتصور نفسه قاتلا لأمه أو لأبيه أو لكليهما¿
– من منا يتخيل أنه في موقع القاتل لابنه أو ابنته¿.
بهذه التساؤلات الموجهة للجميع يستهل الأستاذ الحص حديثه.. فيجيب معترفا بضمير الجمع هكذا : ” هذا ما نحن فاعلون إذ نقتل وطننا.. فالوطن بمثابة الوالدين إنه الأم والأب.. نحن أبناء هذا الوطن. ليس بيننا من ينكر ذلك وكلنا يدعي الاعتزاز بانتمائه الوطني. والوطن بمثابة الولدالوطن هو الأرض والشعب والدولة.. فهو وليد إرادتنا إذ حررناه وحققنا استقلاله وإذ تبنيناه موئلا وملاذا وموطنا نقيم فيه وإذ ألينا على أنفسنا أن نتمسك به ونرعاه ونذود عنه وننميه ونرفع علمه عاليا بين أعلام الأمم. فهو ابن إرادتنا وأحلامنا وتطلعاتنا وهو أعز ما نورثه أطفالنا وأحفادنا …انه وطن نغتاله كل يوم بسلوكنا وممارساتنا وسياساتنا وعصبياتنا ونزاعاتنا.نحن إذا في منزلة القتلة.. عفوك يا رب “.
ويتوقف الأستاذ الحص وسط مقاله..لا ليرسم خرابا ولا يصف دمارا يجري على أرض لبنان فحسب بل ينقل إلى الشعوب العربية حالات داخلية من خراب نفوس السياسيين وجهلاء القرن الحادي والعشرين من نجوم ” فضائيات الفتنة ” ولصوص االثورات” والمتاجرين بدماء الشهداء وتضحيات وأحلام ومعاناة شباب الانتفاضات خدمة لمشاريع أسيادهم هنا يعود الرجل متحدثا بذات “الضمير” لعل وعسى أن يفهم من عناهم :
” نحن في إغضائنا عما يدور ويحاك كما في الانتصار لهذا الفريق أو ذاك في ما يطرح من عقبات شركاء في الجريمة. فلا غرو في القول نحن مجرمون..نحن أهل السياسة ومن يناصرنا على غير هدى فيحملنا على التمادي في غينا. وفي غينا جعلنا المفاهيم الوطنية على قياس مصالحنا وجعلنا القانون والدستور وجهة نظر. وجعلنا الفئوية الطائفية والمذهبية مطية في خدمة أغراض ذاتية. وفي غينا بددنا مفهوم الشعب فجعلنا من الشعب قبائل وقبائل العصر تسمى طوائف. وفي غينا جعلنا المال معيار الجاه والسطوة وجعلنا الرأي والصوت سلعة تشترى وتباع. وفي غينا عبثنا بالقيم فجعلنا من العناد في غير الحق فضيلة..لا بل آية من آيات القوة والسطوة ووسيلة للتحكم بالمصير”.
وفي فقرة ضاغطة يدين فيها السياسيين ويحملهم كامل المسؤولية الوطنية والأخلاقية والإنسانية والدينية حيال ما جرى ويجري.. مخاطبا إياهم بقوله :
” أجل نحن قتلة ضحيتنا هي مجتمعنا ووطننا. ومن يفتت مجتمعا ويغتال وطنا إنما يستهدف الإنسان البريء على هذه الأرض الطيبة “.
وفي عبارة ختامية بالغة المعنى والمغزى نجده يقرع جرس الإنذار الأخير صارخا :
“..وما أكثر الأبرياء بين المواطنين..والإنقاذ لا يكون إلا على أيدي هؤلاء عندما يستفيقون إلى واقعهم فيجعلون من إرادتهم الجماعية