وداعا رفيق العمر عبدالرحمن

عبدالرحيم قاسم الصبري

 - لم أتمالك نفسي عندما اتصل بي الزميل عبده بجاش يخبرني بوفاة الصديق عبدالرحمن سيف اسماعيل حينها انهارت أعصابي وأجهشت بالبكاء وتقاطرت دموعي كالمطر من شدة
لم أتمالك نفسي عندما اتصل بي الزميل عبده بجاش يخبرني بوفاة الصديق عبدالرحمن سيف اسماعيل حينها انهارت أعصابي وأجهشت بالبكاء وتقاطرت دموعي كالمطر من شدة الحزن وهول الفاجعة. فقبل ساعة من تلقي الخبر الفاجعة كنت أتحدث مع زوجته الفاضلة الأستاذة ابتسام راوح عن حالته الصحية ـكعادتي اليوميةـ منذ دخوله العناية المركزة في مستشفى الثورة العام وقد أخبرتني بأن حالته في ذلك اليوم حرجة وأدركت من خلال حديثها بأن حالته تحتاج إلى عرضها على دكتور متخصص في القلب من خارج المستشفى فمن غير المعقول ـبحسب حديثهاـ أن يظل في العناية المركزة أكثر من أسبوع دون أي تحسن.
كانت علامات ضعف الثقة وعدم الرضا عن مستوى الخدمات الطبية في العناية المركزة واضحة في حديث حرم المرحوم عبدالرحمن الذي حذر مسبقا من إدخاله إلى مستشفى الثورة إن هو تعرض لأي طارئ فعلى الرغم من توفر الإمكانات اللازمة في مركز القلب التابع للمستشفى إلا أن معظم الحالات تخرج منه إلى القبر.
كانت مخاوف الأستاذة ابتسام وقلقها مبررا ولذلك وافقتها الرأي وذهبت للبحث عن طبيب متخصص في القلب لكن الفاجعة كانت أسرع .
عدت مسرعا إلى المستشفى لأعرف الحقيقة وعندما وصلت إلى باب المركز رأيت أشخاصا يسحبون سريرا خارجا من المركز وعليه جثة هامدة تأكد لي أنه صديقي عبدالرحمن وكانت تلك اللحظات الأكثر سوادا في حياتي.. خوف ألم بكاء.. قبلت جبينه وقلبي يتقطع حزنا لفراقه. وبعد مواساة زوجته سألتها أين سيتم الدفن فأجابت: في قريته بالأعبوس بتعز.
كان الفقيد عبدالرحمن سيف إسماعيل رجلا صلبا واجه عقبات ومشاكل كثيرة في حياته وتعرض للاعتقال أكثر من مرة ومورست ضده أشد أنواع القهر والتنكيل والتعذيب في معتقلات الأمن السياسي. وإلى جانب مهماته السياسية كعضو في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني مارس الثقافة والأدب وكتب في التاريخ والتراث والفن والسياحة وعمل في الصحافة وكتب في العديد من الصحف كالثورة والثوري واليقين والجمهورية وغيرها.
وفي الثورة الشبابية كان للفقيد دور بارز في فعالياتها اليومية المتعددة ورأس التحالف المدني الديمقراطي -أحد المكونات الشبابية- كما ألقى العديد من المحاضرات في ساحات الاعتصام للتوعية بأهداف الثورة الشبابية السلمية وضرورة السعي لتحقيق الدولة المدنية الحديثة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
عرفته ملازما لقلمه لا يفارقه يكتب في العمل.. في المقهى.. في المنزل في كل مكان يجد فيه متسعا من الوقت يخرج قلمه وورقة بيضاء لقلبه ليسطر عليها ما يدور في عقله..
لقد كان الراحل شعلة من النشاط والحيوية. عمل في التعاونيات والمجالس المحلية وكان من أكثر المنضبطين في أدائه لأعماله والتي كان آخرها نائبا لمدير العلاقات والإعلام في وزارة الإدارة المحلية.
وعلى الرغم من ظروفه الصحية ظل مثابرا في عمله وفيا لمبادئه ولم ينل ما يستحقه من الدعم والمساندة في ظروفه المرضية -لا من وزارته ولا من حزبه- لقد عاش الراحل حياته اشتراكيا بامتياز لم يتنازل ولم يهادن وغادرنا شامخا كعادته دون أن يستجدي أحدا.
وهنا أود الإشارة إلى أنني كنت قد عملت -بمبادرة شخصية- إلى توجيه رسائل عديدة إلى رئيس الجمهورية من اتحاد الأدباء والكتاب ووزارة الثقافة ومن الحزب الاشتراكي ولكن دون جدوى كما لم نفلح في الحصول على منحة علاجية عبر وزارة الصحة.. إنه زمن رديء زمن المصالح والنفوذ والوساطات فلو كان عبدالرحمن من أصحاب المصالح والنفوذ لقدمت له المنحة العلاجية والدعم والرعاية ولكنه كان يقدم أفكاره ومبادئه على مصالحه الشخصية.
رحم الله فقيد الدرب عبدالرحمن ونم قرير العين يا صديقي العزيز وتأكد أنك باق في قلوبنا وعقولنا وحياتنا.. سنبقى نتذكر ابتسامتك وطهارة قلبك ودماثة خلقك وسمو أفكارك ومبادئك وسيذكر لنا التاريخ أنك كنت كبيرا شامخا بحجم الوطن الذي حلمت به.

قد يعجبك ايضا