أحلامنا مشوبة بتخوفات تتزايد كل يوم

فتحي الشرماني


 - لا ندري حقيقة ما يدور وما يراد لليمن, خصوصا ما بدأ في الشهرين الأخيرين من عمر مؤتمر الحوار الوطني وحتى اليوم .. صحيح أن وثيقة الحوار جاءت تحمل مبادئ معتدلة لقيام يمن جديد على أساس تشاركي, وقد ارتضى الشارع اليمني بها خارطة لبناء المستقبل, لكن الوقائع على

fathi9595@gmail.com
لا ندري حقيقة ما يدور وما يراد لليمن, خصوصا ما بدأ في الشهرين الأخيرين من عمر مؤتمر الحوار الوطني وحتى اليوم .. صحيح أن وثيقة الحوار جاءت تحمل مبادئ معتدلة لقيام يمن جديد على أساس تشاركي, وقد ارتضى الشارع اليمني بها خارطة لبناء المستقبل, لكن الوقائع على الأرض تسير بخطوات دراماتيكية باتجاه تأزيم هذا المستقبل .. هناك اقتتالات تفرض نفسها بدواع عبثية, ويوما بعد آخر تتزحزح هذه الصراعات وتتطور, ولا ندري بأي نوع من السيناريوهات يمكن أن يتعامل من يحمل السلاح مع مستقبل الدولة اليمنية التي يقف ندا لها منذ اليوم.
الناس يتخوفون من القادم, ويندهشون لغرابة ما يحدث في هذه المرحلة, متسائلين عن هوية اللاعب الحقيقي الذي يقف وراء هذه التطورات بدءا من قضية دماج, ثم قضية مجمع الدفاع والهجوم على المعسكرات, ثم قضية أرحب وعمران والجوف .. لكن: وماذا بعد¿ هل سنستمر في هذا الانزلاق حتى الوصول إلى قعر الهاوية وتحلل مركب الدولة الحالية, أم أنها سحابة صيف, ورسائل ما قبل الذوبان في مجموع الدولة القادمة.
في بعض الأحيان تسلمني الهواجس أنا شخصيا إلى أن الحوار الوطني حين رأى فيه اليمنيون منجاة وعاصما من الطوفان رأت فيه قوى خارجية مدخلا لوأد مستقبل هادئ كان قاب قوسين أو أدنى من التحقق, لاسيما بعد بروز الفعل الشبابي ودخول القوى السياسية في وفاق وطني .. ولذلك كان على تلك القوى الخارجية أن تتذرع بضرورة وجود مرحلة حوار تتخذها مطيةلإعاقة الاستحقاقات الإيجابية للوفاق الوطني, وصولا إلى تحقيق الهدف الأسمى,المتمثل بكبح جماح اليمنيين جميعهم, وليس مجرد تقوية فصيل وإضعاف آخر, فالمؤامرة تجيء اليوم بصيغة أشمل لأن من يديرها أدرك أنه يقف أمام مجتمع حي, يتساوى في ذلك من كان في ميدان السبعين أو من كان في ميدان الستين.
إن المصيبة الكبرى مما يحدث – في رأيي – ليس في أن جماعة مسلحة تهيمن اليوم وتزداد قوة, وإنما في حالة الاستقطاب الحادة والخصومات التي دخلت فيها قبائل شمال الشمال, على كثرة هذه القبائل وجلافتها وتسلحها ونزعاتها الثأرية, فمن يضمن لنا أن هذه القبائل ستتخلى عن تفجير الخصومة وسباق الهيمنة بعد اليوم¿
إن هذه القبائل كان لها أن فقدت الآلاف من أبنائها في الستينيات بين مدافع عن الحكم الإمامي ومدافع عن خصومهم, واليوم هناك مؤشرات واضحة لعودة هذه القبائل إلى المربع نفسه, وإذا تحقق ذلك فعلا فهل ستظل الدولة تلعب دور الوسيط, أم أنها ستفرض نفسها رقيبا قويا ومؤدبا لكل من يخل ببنود الصلح ويعود إلى تفجير الوضع من جديد¿!.
تستطيع الدولة أن تلتزم بالخيار الأخير دون أن تنزلق إلى إشعال حرب ضد طرف تراه باغيا .. فنحن لا نريدها أن تظل محايدا سلبيا يفقد كل يوم جزءا مما تبقى من هيبته لدى المتصارعين, ولا نريدها أيضا أن تكون طرفا ينشغل بحرب تلهيها عن (إنهاض مستوى الشعب اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا) كما كان الأمر في الستينيات حين انشغلت الثورة الوليدة عن تحقيق هذا الهدف بحربها مع الخصوم, ولم تقم دولة.
عموما, نحن اليوم بحاجة إلى ما يعيد إلينا الطمأنينة بأن الحوار الوطني لم يكن لدى بعض القوى مدخلا لتفخيخ المستقبل .. وهذا الاطمئنان لن يكون إلا بتلاشي حالة الصراعات المسلحة في شمال الشمال, وعودة أوضاع المناطق هناك إلى طبيعتها, وحمل الباغي على احترام إرادة اليمنيين الذين لا يرضيهم أن يفتتح الوطن اليمني مستقبله المنتظر بسلسلة مواجهات دامية لن تخلف غير مزيد من التقزم.. فهل أدركنا ذلك¿!

قد يعجبك ايضا