الكفاءة السياسية العربية.. بين الثرثرة والاستبداد!! (2-3)

خالد القارني


 - أثبتت السنون الخوالي من القرن الماضي أن الاستعمار الأجنبي لم يغادر البلاد العربية تحت ضغط المقاومة الوطنية بشكل أضراري تاركا وراءه أذيال الخيبة والهزيمة
أثبتت السنون الخوالي من القرن الماضي أن الاستعمار الأجنبي لم يغادر البلاد العربية تحت ضغط المقاومة الوطنية بشكل أضراري تاركا وراءه أذيال الخيبة والهزيمة كما رسمته مراكز إعلام الأنظمة وإنما الذي حدث انه درس الرحيل بعناية ودرس ما بعد الرحيل بعناية أدق وأكثر عمقا.
واستطاع بواسطة كفاءته السياسية الاستعمارية أن يستبدل مشروع الاستعمار الجغرافي المباشر باستعمار جغرافي وزماني عن بعد أو اللامباشر. والحديث عن كيف غير مشروع الاستعمار المباشر الجيواستراتيجي بالمعنى العسكري والاقتصادي للإبقاء على المنطقة تحت تصرفه قد يخرجنا عن موضوعنا غير أن الإلماع إليه هنا مهم.
لقد شكل تقسيم المنطقة العربية الواحدة الموحدة حجر الزاوية في مشروع الاستعمار الجيواستراتيجي اللامباشر وفي أجندة سياسته الجديدة رسم فيه خارطة طريقة شملت تقسيمها على أساس “الدويلات القطرية الحالية” بما يجعل إمكانية تحقيق تنمية بشرية ومادية إذا باشرها كل قطر بمفرده في حكم المستحيل فعليا ورمزيا. لأنهم أدركوا حقيقة لا يريد العرب إدراكها وهي أن طبيعة تركيبة المنطقة العربية هي طبيعة تكامل وتعاون وهما شرطا التنمية.
وشملت خارطة طريق الاستعمار اللامباشر تحديد “خلفاء” الاستعمار في الحكم وتحديد تداوله وتحديد مرجعيته. وكان مآل الأمر وبعد أن تم القضاء على قادة النضال والمقاومة الحقيقيين بأن ولى على البلاد التي أوهمها بأنها تحررت منه دمى تحركها أيديه بصورة مباشرة وغير مباشرة ( قواعد خبراء مصالح أجهزة ).
وأما تحديد تداول الحكم فكان تداولا حربيا أو تداولا عسكريا على الحكم وفق نظرية الانقلابات على السلطة أو وفق نظرية توريثها ومن المعروف أن النظريتين لا تقبلا مطلقا التعايش مع نظرية تقاسم المصالح والمشاركة في الحكم وكان المصير أن صارت الأمة مقسمة إما تحت (العبودية العسكرية) وإما تحت (عبودية الجبرية المطلقة). والجميع لا يخرجون عن قانون التبعية وصاروا آلة وأداة لاستراتيجية يؤدون فيها دورا استعماريا دون وعي أو اضطرار.
والحقيقة التاريخية أن كل الأنظمة العربية من جنس واحد جعلت وطنها بزنس مافيا تتقاسم تركة بلا صاحب كأمراء حرب في خارطة الاستعمار للقضاء على وحدة الجغرافي والاحتفاظ بدورها المسيطر بالاستبداد والفساد على مقدرات البلاد.
واستطاع “خلفاء” الاستعمار أن يجعلوا لكل قطر هويته التاريخية المزعومة ورغم أنها قشرية اعترف بها المستعمر وشكل منها غطاء الارتباط بها وشرعية أساس بقاء النظام القطري وعلة قطيعته مع باقي الأقطار العربية موطدة بذلك شروط جعل هذه المنطقة عاجزة عن الاستقلال.
وكان من الضرورة بمكان أن يكون “لخلفاء” الاستعمار سواء في الدويلات التي تشكلت على أساس صراع القوة أو التي تشكلت على أساس صراع الرموز أدوات ووسائل يستحيون بها الأمة ويحكمونها رغم أنفها بالحديد والنار بدعوى قودها إلى جنة جديدة عرضها خرم البرة!!. ومثل العنصر البشري الركيزة الأولى لهذه الأدواتو من صنف أولئك الرجال المجبولون بطابع” الطاعة العمياء” أخرجت مدراس الشلليات والانتماءات الضيقة والمصالح غير المشروعة الكثير منهم. لأنهم القادرون دون غيرهم على أن يحولوا الواقع إلى مجرد ساحة إيديولوجية للتحقير من الذات وأن يجعلوه مجرد معابر لتجارة الممنوعات. وان يجعلوا المواطن عبدا لسلطان الحاجات المادية التي بدون التحرر منها لا قيمة ولا معنى لحريته.
وفي سبيل ذاك سعت الأنظمة العربية إلى شد حبال الانحطاط الذاتي والاستعماري في جيد المواطن العربي مستهدفة زعزعة الثقة بنفسه واستضعاف ” الإحساس بالفعالية السياسية ” لديه مما يجعل انخراطه في العمل السياسي صعبا في ظل شعوره بعدم الفعالية الشخصية.
واحتكرت “الفعالية السياسية” في أيدي الحكام وأعوانهم وقتلت في عقول المحكومين وفقدوا تأثيرهم على النظام السياسي عند اتخاذه القرار السياسي “. وأدى هذا الغياب إلى خلق حالة الاغتراب السياسي كمفهوم مهم في المشاركة والسياسات الديمقراطية يشير إلى شعور المواطن بالانفصال عن النظام السياسي أو رفضه كليا.
ومع أن الأنظمة السياسية العربية لم يكن لها أهداف غير هدف البقاء في السلطة فان سلوكها لم يتجاوز الإبقاء على نفس التبعية لكون الدويلات القطرية أقصى ما يمكن أن يحققوه بهذا السلوك هو مواصلة الكلام على الخصوصيات القطرية.
لقد دفع الانحطاط الاستعماري بمن لا يجدون المهارات اللازمة للسلوك السياسي الفعال إلى لعب دور المسيطر على مقدرات البلاد خدمة لمصالحهم الخاصة. واستمرت الحكومات العربية على نفس المنهج في تحطيم الكفاءة لكوادرها الوطنية من خلال تمسكها بتشريعات ل

قد يعجبك ايضا