ما بعد الحوار الوطني

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - انتهى مؤتمر الحوار الوطني وبدأت إشكالات المستقبل تبرز من خلال ذاك الصراع بين اللحظة والمستقبل ولعل امتداد الماضي في صميم التجربة الجديدة التي تحملها النصوص
انتهى مؤتمر الحوار الوطني وبدأت إشكالات المستقبل تبرز من خلال ذاك الصراع بين اللحظة والمستقبل ولعل امتداد الماضي في صميم التجربة الجديدة التي تحملها النصوص النظرية لمؤتمر الحوار ورموز الماضي وقواه التاريخية من حيث التشبث وتعطيل الحركة والانتقال قد يجعلنا أمام سؤال المستقبل الكبير.. وماذا بعد¿
كنا نأمل أن تكون مخرجات الحوار مسنودة بحالة انتقالية جديدة في الحكومة وفي رموز المؤسسات التشريعية وبحيث ننمي الشعور الجماهيري والاجتماعي بتباشير التحول وبالثورة باعتبارها حالة من حالات التبدل والتغاير التي قد تمتد من الماضي ولكنها تدرك ضرورات اللحظة الجديدة وتدرك استحقاق التحول والانتقال والتبدل فالقضية ليست تيها ولا هي حالة من حالات إفراغ الطاقات الانفعالية بل آمال وتطلعات جماهيرية تشرئب إلى الانعتاق من رق الماضي واللحظة وتبحث عن وجودها الجديد في زمن الحداثة وما بعد الحداثة وزمن الإيقاع المتسارع في التطور والنماء والشفافية والحريات والتعبيرات الثقافية المتنوعة وزمن التعدد والتعايش فالثابت أن الواحد يتعدد كصيرورة زمنية لا يمكن القفز على قانونيتها وجوهريتها وحقيقتها والذين يقولون بالخوف من نظام الأقاليم لا يدركون ضرورات اللحظة الجديدة ولا يدركون بوعي كامل استحقاقها ولكنهم من خلال ما هو مطلق في عموميته يبحثون في حروفه وأسطره عن خصوصيتهم وذواتهم وأناهم ومصالحهم أما مصالح السواد الأعظم من الجمهور فقد دلت الأيام أن القائلين بها هم أول المنقلبين عليها فحضور الذات الفردية أو الذات الحزبية أو الذات المتمرسة حول جماعة أو إيديولوجيا أكثر ظهورا في المشهد السياسي اليمني أو تحت سمائه التي تبدو ضبابية من خلال ذلك التمترس حول الأسماء التي ارتقت إلى الكراسي من على أنهار الدم وجماجم الضحايا من فئة الشباب ولم تعر الشباب ومستقبلهم اهتماما يليق بهما.
اليمن ليس مجموعة أسماء وصلت إلى كراسي الوزارات والأحزاب السياسية لا نظنها هي تلك الأسماء التي تتربع على كراسي الوزارات اليمن أكبر من كل الأحزاب والأحزاب أكبر من كل تلك الأسماء والتغيير في الأسماء لا يعني نهاية الأحزاب ولكنه قد يعني المستقبل واليمن إذ أن نجاح الحوار لا يكتمل دون شعور الجماهير بحالات التغيير والتبدل في الوجوه المألوفة كما أن مخرجاته تفرض التفاعل مع نصوصه المتوافق عليها فالشراكة الوطنية حين تغيب عن اللحظة الجديدة التي تعقب (25 يناير) تضاعف من شعور النكوص والانكسار عند الجماهير العريضة, ولعل المتابع لشبكات التواصل الاجتماعي والمنخرط في الشأن الاجتماعي والمتفاعل يدرك أن المزاج الشعبي بدأ يهرب إلى نقاط مضيئة في التاريخ فهو يبحث عن صدام وعن إبراهيم الحمدي وعن عبدالناصر حتى القذافي بدأ يحضر في مفردات الخطاب اليومي والمتداول وفي ذلك دلالة على أن الحس الشعبي يبحث عن لحظة انعتاق من رق اللحظة وقيدها وهيمنتها.
ومن الغرائب أن ترى بعض الأحزاب تبحث عن غنائم السلطة في اللحظة التي هي فيها وتترك مواقعها في خارطة المستقبل حتى يتمكن الآخر من ملئها فالذين يحرصون على أنفال هذه اللحظة وغنائمها إنما يكتبون قصيدة رثائهم الأخيرة ولا قيمة لهم في المستقبل فاللحظة التي يعيشها الوطن من حيث شلل الفاعلية والحركة ومن حيث التعطيل والانقسامات ومن حيث التمايز الجديد سواء التمايز الثقافي أو الاجتماعي أو السياسي لن تصنع مستقبلا للقوى التي تسهم في تفاصيلها ولذلك فالأحزاب والقوى الاجتماعية والسياسية التي ترغب في الخروج من دائرة الفناء عليها أن تعي اللحظة وتدرك أن مراقبة الوضع من خارجه خير لها من المساهمة في صناعته وقد تكون تلك فرصتها الأخيرة في إعادة الترتيب من حيث القيام بالتحليل الطولي والمقطعي ومن حيث التفكيك وإعادة البناء بما يتواكب واللحظة الاجتماعية والثقافية والسياسية الجديدة.
وكان الأجدر بمؤتمر الحوار أن يتوافق على تشكيل حكومة وطنية من بين أعضاء كل المكونات التي شاركت فيه لتقود مرحلة التأسيس لمخرجاته وفي ظني أن ذلك سيكون الأنفع لليمن وللأحزاب نفسها لليمن من حيث إظحداث حالة الانتقال وللأحزاب من حيث الوجود والفاعلية في المستقبل فالتغاير في الشكل وفي النظام الذي ستكون عليه اليمن يفرض تفكيرا تفاعليا جديدا معه وعلى الأحزاب أن تخلد قليلا إلى الراحة حتى تعيد إنتاج نفسها في المستقبل ومن حق اليمن أن تستعيد ذاتها من بين أنياب الصراع السياسي المدمر وتلك الجدلية يفترض التفكير فيها في مرحلة ما بعد الحوار.

قد يعجبك ايضا