السؤال الأكثر أهمية للإجابة عن المستقبل..
عبدالله دوبلة
ربما هذا هو السؤال الأهم الذي ينبغي على الجميع الإجابة عليه من مثقفين وسياسيين ومسؤولي دولة وبرامج أحزاب فإشكالية اليمني الجوهرية والحقيقية هي طريقة حصوله على المال لا فكره أو دينه.
فلأجل ذلك المال والحصول عليه قامت أغلب الحروب والصراعات اليمنية التاريخية ولا تزال كأغلب الصراعات البشرية ربما فالغزوات اليمنية البينية القديمة منذ السبئيين هي لأجل ذلك المال وهي لا تختلف كثيرا عن الغزو الإمامي لمناطق اليمن الأسفل وإن اختلف العنوان. هو لا يختلف أيضا عن النزوح اليافعي إلى حضرموت بدافع الحماية أول الأمر قبل أن يصبح حاكما أو في صراعه مع الحضارم بعد ذلك.
حتى ثورة 1962 كان أغلب اليمنيين يعانون في الحصول على المال باستثناء نشاط زراعي ضئيل في بعض المناطق ذات المرتفعات الأقل انخفاضا كإب مثلا وبعض الأودية كالتي تصب في السهول التهامية إلا أن فئة قليلة من الناس هي من كانت تحظى بفرص الحصول على المال بطرق مرفهة من خلال العمل في وظائف الدولة وكان حتى هؤلاء يتم اختيارهم بعناية من طبقتين ضيقتين هما “السادة والقضاة” وربما بعض الوجاهات القبلية المرضي عنها إذا ما استثنينا كبار الملاك والتجار على اعتبار أن هاتين المهنتين توفران الكسب والربح في أي ظرف سياسي للدولة.
كل الذي فعلته ثورة 62 على أهميتها وتأثيراتها السياسية والاجتماعية أنها وسعت فرص الكسب والترزق من خلال الانخراط في الحرب مع الجمهورية والتكسب من المصريين أو ضدها مع الملكيين والتكسب من السعودية ولم يكن مثل هذا النشاط “التكسب من الحرب” من تلك الأنشطة الغريبة على اليمنيين فهو مما كانوا يفعلونه في العادة..
المتحول والجديد هو ذلك الذي أفرزته الحرب إذ سمح النظام الجمهوري لطبقة أخرى غير القضاة والسادة وهي “القبائل” لتحل بديلا في مسألة التكسب من خلال وظائف الدولة وليس كل القبائل حتى فكل قبيلة كانت تحظى بفرصتها بقدر سطوتها ونفوذها في الدولة وبما تحسمه الصراعات في ما بينها على قيادة الدولة وكان كل ذلك أيضا يحدث في منطقة ضيقة من قبائل شمال الشمال.
في هذه الأثناء لم يكن التمويل الخارجي الذي كان قد بدأ نشاطه مع الثورة قد توقف حيث استمرت المملكة السعودية في الدفع جنبا إلى جنب مع تمكين حلفائها من السطوة على الدولة ومصالحها. إذ مع الوقت.. لم يقتصر الدفع على المملكة السعودية كما لم يقتصر الاستلام على حلفائها فقط فقد أصبح الأمر ثقافة وسلوك حياة لا يثير أي حساسية وطنية بل كان مما تتباهى به الأطراف وتفخر به علنا. فحين غابت مصر عبدالناصر عن المنافسة في الدفع مع العلم أن مصر كانت تدفع كل احتياجات خزينة الجمهورية الوليدة إلى جانب الدفع لشراء الولاءات لها تصدرت المملكة السعودية وحيدة المشهد إلا من بعض منافسات بسيطة بعثية في العراق على عهد صدام وربما ليبية حسب أمزجة القذافي في بعض الأحيان.
المهم هو أن مسألة الارتزاق من الخارج كانت أحد الأعمدة الرئيسية لطرائق الكسب في اليمن وهو مما ورثته دولة الوحدة أيضا وفيما كان المسؤولون وقادة الجيش والمشايخ وربما قادة الأحزاب هم من يستلمون في بداية الأمر أصبح الأمر ثقافة عامة يشترك فيها ويطمح إليها الجميع.
فقد انتشرت الجمعيات الخيرية السلفية الممولة من الخليج كالفطر وأصبح مثل هذا النشاط الخيري أحد أهم موارد الدخل التي يعتمد عليها مئات الآلاف من الناس لا أتحدث هنا عن المستفيدين وإنما عن العاملين فيها بدرجة رئيسية.
كما لم يقتصر الأمر على الإسلاميين فقط فقد وجد العلمانيون والليبراليون ضالتهم في منظمات المجتمع المدني الممولة من الغرب والتي صارت تتناسل مؤخرا بصورة جنونية إلا أن التمويل هنا هو ربما لا يقارن مع التمويل الخيري السلفي الذي يدعم نظاميا وشعبيا في الخليج. أو مع ذلك الدفع النظامي السعودي.
إلا أن في بيئة مماثلة حيث التمويلات الخارجية طريقة حياة وثقافة يشترك فيها الجميع يكون الحديث عن ضبط تمويلات القاعدة المفترضة أو تمويلات الحوثي المفترضة أيضا من إيران أو تجريمهما أمرا مستحيلا.
في الجنوب.. لا يختلف الأمر أيضا. فشحة الموارد وصعوبة الحصول على المال هو القاسم المشترك لكل اليمنيين كانت هناك حالتان استثنائيتان ازدهار النشاط التجاري في عدن على عهد الإنجليز وهذا قضت عليه دولة الاستقلال ونظام الرعاية الاجتماعية للدولة وهذا قضت عليه دولة الوحدة.
إلا أن ما يحدث الآن في الجنوب من استعارة ثقافة الشمال في مسألة التمويلات الخارجية للحراك بدعاوي الاستقلال هو ليس حلا ولا تعميم ثقافة تفيد الدولة