صنعائي: ثنائية التاريخ والعشق

ريــا أحمد

الكاتبة الأديبة نادية الكوكباني من أكثر الكاتبات إخلاصا للكتابة وهي صفة قلما نجدها بين الكاتبات اليمنيات فحرص نادية على مواصلة الكتابة جعلنا نحن جمهور قراءها ننتظر منها بشغف أعمالا أدبية متنوعة قد نتفق وقد نختلف معها ولكنه الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية ولا ينقص من محبتنا وإعجابنا بها. نادية الكوكباني كاتبة يمنية من الطراز الأول لها ثلاث روايات: (حب ليس إلا) صدرت عام 2006م ورواية (عقيلات) 2011 ورواية (صنعائي) 2013 بالإضافة إلى خمس مجموعات قصصية ترجمت إلى لغات أجنبية.

في روايتها الأخيرة (صنعائي) تفوقت الكوكباني على نفسها وسردت قصة حبيبين جمعتهما معشوقة واحدة هي بطلة الرواية (مدينة صنعاء). ما كان للروائية أن تكتب عن مدينة صنعاء بتلك الشفافية والروحانية لولا شغفها بالمدينة وبتاريخها الذي قدمته لنا بطريقة شيقة وسلسة واجتهادها في البحث عن الكثير من تفاصيل المدينة وتاريخها كان واضحا إضافة إلى أن تخصصها العلمي (هندسة معمارية) أعطى الرواية فسحة جمالية متميزة بوصف منازل صنعاء القديمة وأزقتها وبساتينها وسورها القديم. يبدو شغف الكاتبة ومحبتها لمدينة صنعاء واضحا من خلال عنوان الرواية (صنعائي) دلالة على ملكية الشيء ومعرفة كل تفاصيله.. فيصير وكأنه جزء لا يتجزأ من الذات.. هو تملك الحبيب للحبيبة والعاشق للعشيقة وهذه العلاقة الشفافة تبدأ بالعنوان ولا تنتهي بانتهاء الروية. «صبحية» البطلة الساردة في الرواية بالتناوب مع بطل الرواية حميد عاشت في دولة أخرى هي مصر وهو المنفى الاختياري الذي اختاره والدها المناضل لظروف ظلت سرا حتى قبل انتهاء الرواية. ليست «صبحية» الساردة فحسب وإنما هي العاشقة حتى الثمالة لمدينة صنعاء ولم يؤد بعدها عن عشيقتها صنعاء والعيش في دولة أخرى أن يبهت أو يخفت ذلك الحب العظيم: صنعائي كانت في صندوق لكن القاهرة كانت مدينتي الحرة التي تضخ الدماء في شراييني.اكتشفت أن لي مدينتين ولهجتين وطنيين في سن مبكرة». الرواية التي صدرت عن مركز عبادي للدراسات والنشر 2013 تقع في 288 صفحة من القطع المتوسط تنقسم الرواية إلى اثني عشر جزءا بدون أرقام أو عناوين ولكن بمدخل بسيط لكل جزء تتحدث عن مدينة صنعاء بطريقة سلسة لا تبتعد عن موضوع الرواية. حميد هو بطل الرواية الذي تربطه بصبحية علاقة حب جوهرها تماهيهما في حب مدينة صنعاء كما أن تاريخهما متشابهة إلى حد بعيد فكلاهما والده كان من ثوار صنعاء ضد فلول الملكية البائدة لآل حميد الدين في صنعاء. اجتهدت الكاتبة في البحث عن تاريخ صنعاء في فترة زمنية حرجة وهي فترة حصار السبعين يوما كما اجتهدت في البحث عن تفاصيل لا يعرفها الكثير عن مدينة صنعاء القديمة: «بعد الأحداث في أغسطس 1968 التي سأحكيها لك الآن ويحلو لي أن أسميها «أحداثا لعينة» غيرت وجه اليمن الذي كنا نحلم به..» لم يكن التطرق إلى أحداث تاريخية في الرواية يمثل عبئا على الرواية حيث تم سرد الأحداث على لسان أبناء أبطال الثورة (صبحية-حميد-غمدان) ولم تترك الروائية فرصة إسقاط ما حدث في ماضي اليمن على حاضره بطريقة رشيقة وغير مباشرة فكان حديثها هو الحديث الذي يعرفه الكثير من اليمنيين ولا يفضلون الخوض فيه حديث عن ظلم كبير وقع لرجال الثورة الصادقين الذين قدموا أرواحهم رخيصة فداء ليمن جديد لتكون النتيجة خروج الفئران من جحورها لتتحدث بكل جرأة عن أدوارها البطولية الزائفة. الرواية رغم رومانسيتها المطلقة في العلاقة التي ربطت بطلة الرواية ببطلها تحمل ألغاما موقوتة وحنقا من ماض يمد ظلمه وبطشه لحاضر اليمن اليوم. رواية تكشف الأسرار بطريقة ذكية ورشيقة شيقة فالحديث عن حصار السبعين يوما وتهميش الضباط الأحرار الذين قاموا بواجبهم بكل إخلاص تجاه اليمن ومن ثم اغتيال الرئيس الحمدي الذي كان يسير باليمن نحو الدولة المدنية الحديثة ليغتالوا بقتله حلم اليمن بدولة لها استقلاليتها ومواردها الخاصة ونهضتها التي قتلت قبل أن تولد أحاديث مثلت مسار الرواية وجوهرها. «صنعائي» رواية يمكن أن نصفها برواية الأسرار أسرار المدينة والحب والشهوة واللذة كما هي أسرار صنعاء المدينة التي يأتي إليها السياح من كل حدب وصوب لدفئها وخصوصيتها المذهلة هي رواية عشق إذن لمدينة على كثرة محبيها وعشاقها إلا أنها المظلومة بجبروت الأنظمة وببريق الحداثة والتطور الذي بات ينهش خصوصيتها بكل شراسة. أخيرا لعل الرواية بتفاصيلها وأحداثها المتشعبة عن حكاية صبحية وحميد وغمدان فضحت الكثير من الاختلالات التي تتجذر في اليمن واليمنيين ككل. إذن نحن أمام دعوة مفتوحة لمن يحب صنعاء ليعشقها أكثر ومن لا يعرفها ليذوب حبا وهياما فيها فسحة تاريخية رومانسية قدمتها لنا الكاتبة بكرم باذخ تستحقه مدينة صنعاء ومحبها. بقي أن أقول إن الروائية نادية الكوكباني الحاصلة على الدكتوراه في الهندسة المعمارية لم تبخل علينا بوصف صنعاء بطريقة فريدة ومتميزة فهي مهندسة برتبة رو

قد يعجبك ايضا