الشرق الغامض



قدم الصحافي الفرنسي فرانسوا رينييه في عام 2010 كتابا تحت عنوان “أجدادنا الغاليون.. من بلاد الغال.. وكلام ساذج آخر” شرح فيه خطأ المقولة السائدة المقبولة لدى الغالبية الساحقة من الفرنسيين ومفادها أنهمأي الفرنسيين ينتمون إلى الشعب الغالي . وعمله الأخير الصادر قبل فترة وجيزة يكرسه للحديث حول فكرة خاطئة أخرى : عن ” الشرق المبهم وكلام ساذج آخر” كما يقول عنوانه.
الشرق في مخيلة الغربيين يختزل إلى “الف ليلة وليلة ” و”الأندلس وحدائقها المعطرة” و” بعض النماذج التقليدية التي تزخر بها اللوحات الفنية الشهيرة في القرن التاسع عشر .. وإلى مجموعة من المقولات الأخرى التي ثبتتها وسائل الإعلام المختلفة في الغرب كما يشير المؤلف .
وبعد التعرض لشرح أشكال التبسيط والتعميم في صورة الشرق بأذهان الغربيين عامة يطرح المؤلف عددا من الأسئلة مثل : من يعرف من الغربيين الأهمية الحقيقية للدور الذي لعبته مدينة بغداد عاصمة العراق اليوم وعاصمة الخلافة العباسية لعقود في التاريخ العالمي الكوني ـ اليونيفرسال ـ إذ وصل عدد سكانها إلى مليون نسمة في عام 800 بعد الميلاد ¿
ومن يعرف في الغرب مدى التخريب والتدمير الذي مارسه الفاتحون المغول في القرن الثالث عشر عندما هزموا الإمبراطورية العربية وأعادوا صياغة آسيا كلها ¿ ومن يعرف في الغرب الدور الذي لعبه جمال عبد الناصر في سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن ال20.. وما أثاره من خوف آنذاك لدى العالم كله¿
وهناك مجموعة أسئلة أخرى كثيرة يطرحها المؤلف ضمن النهج نفسه من التفكير. ولكن في كل الحالات لا يتردد في الحديث عن دور العرب في نقل المعارف للعلوم والمعارف التي كانوا قد تلقوا قسما كبيرا منها من الصينيين .
يغطي الكتاب فترة 25قرنا من الزمن في خمسة وعشرين فصلا يتألف منها هذا العمل. ومن خلال العودة إلى التاريخ القديم(منذ اليونان) وإلى ما عرفته المنطقة المعنية من نزاعات وحروب يحاول المؤلف إلقاء أضواء جديدة على الع ديد من المشكلات والنزاعات الراهنة ذلك على خلفية القول ان جذور هذه المشكلات والنزاعات تعود إلى تاريخ بعيد. وهو يؤكد في جميع الأحوال على الدور التاريحي المركزي الذي لعبته دائما مصر في المنطقة وأنها كانت دائما بمثابة ” القاطرة” التي تحدد مسار العالم المحيط بها .
ويلفت المؤلف إلى أن الإمبراطورية العثمانية كانت مؤلفة من عدد من الملل تبعا للعقائد التي كانت تعتنقها. هكذا مثلا كانت تطلق على المسيحيين الأرثوذكسيين من رعايا الإمبراطورية تسمية “الروم وكانوا يتبعون لبطريركية القسطنطينية. وبالطبع كان المسلمون يشكلون الأغلبية بين سكان الإمبراطورية العثمانية كما يشير المؤلف. ولا يتردد في الحديث عن قدر كبير من التسامح عرفته الإمبراطورية العثمانية.
ويتوسع المؤلف في ذكر المساهمات الكبرى التي قدمها العرب للغرب الأوروبي في ما يتجاوز كثيرا الصورة المختزلة و” الممسوخة” التي يرددها الغربيون اليوم بعبارات ساذجة تتكرر عن الحضارة العربية ـ الإسلامية . ويرى أن تلك المساهمات كانت إلى حد كبير وراء قوة الغرب وقدرته على التوسع وتأسيس إمبراطوريات شاسعة.
وهكذا يشرح فرانسوا رينير أن الاسبان استطاعوا احتلال قسم كبير من أميركا اللاتينية بفضل تفوقهم العسكري والتكنولوجي . ذلك في مجالات صناعة البارود والاعتماد على البوصلة في توجههم والمعارف العلمية الجديدة والتي لم يكن أقلها شأنا آنذاك الإقرار في أن الأرض كروية . ولكن يجري في الوقت نفسه تجاهل حقيقة مفادها أن العرب كانوا هم الذين نقلوا القسم الأكبر من تلك: المعارف والتقنيات والاختراعات التي كان الصينيون قد نقلوا القسم الأكبر منها إلى العرب.
المؤلف في سطور
فرانسوا رينير. صحافي فرنسي يعمل في مجلة ” نوفيل اوبسرفاتور ” الباريسية منذ سنوات . يكتب مقالا أسبوعيا حول الأفكار السائدة الخاطئة وهو ما جعله شهيرا لدى عدد كبير من القراء. سبق أن قدم عام 2010 كتابا لاقى نجاحا كبيرا تحت عنوان ” أجدادنا الغاليون .. من بلاد الغال.. وكلام ساذج آخر .
الكتاب: الشرق الغامض وكلام ساذج آخر – تأليف: فرانسوا رينييه – الناشر: فايار- باريس- 2013 – الصفحات: 432 صفحة – القطع: المتوسط

قد يعجبك ايضا