العرب والسياسة القذرة..!!
سامي عطا
إن أي قراءة للمشهد السياسي لأي قطر عربي , لا يأخذ في الحسبان النظر إليه بعلاقته الكلية, ضمن طبيعة الصراع الجاري في المنطقة بين قوتين منذ قرن تقريبا, قوى تقليدية تستند على وفرة مالية بفعل الطفرة النفطية وفي حالة علاقة تبعية للهيمنة الامبريالية العالمية وقوى حداثية مدنية ضعيفة وهشة, وتفتقر إلى رؤية واضحة , كما فشلت في تكوين صورة دقيقة إلى تعقيدات الوضع, الأمر الذي دفع نخبها في نهاية المطاف إلى الاستسلام لمشاريع الغير والالتحاق بها.
وإذا ما أردنا تفكيك الأزمة الراهنة, فإنها التجلي الواضح لأزمة سؤال النهضة المستمر منذ قرنين, سؤال النهضة الذي لم يستطع أن يتحول من حيز الحلم إلى حيز الواقع, وفشلت قوى الحداثة والمدنية في تحقيقه, وللأزمة حضور في التركيبة الاجتماعية, ومن خلال هيمنة طبقة تقليدية لا تاريخية ويتناقض وجودها مع طبيعة تحولات العصر, ونخب مدنية حداثية لم تتمكن من أن تتحول إلى كتلة تاريخية تتصدى لمشكلات المجتمع وتحدث فيه تحولات ذات طابع ثوري, وذلك بحكم اقتصاد الريع النفطي في مجتمعات تقليدية, هذا الأمر أساس تشوهات البنية الاجتماعية وبطيء التحولات الاجتماعية والثقافية للمجتمعات العربية, لا بل مثل النفط عائقا ومكرسا لاستمرار هيمنة هذه القوى التقليدية على السلطة.
الأنظمة السياسية في الإقليم تعاني من افتقارها للشرعية وترفض أن تحدث أنظمتها,كما ترفض الانتقال إلى أنظمة حكم ملكية دستورية على غرارالملكيات الحديثة.. وتستعيض بالوفرة المالية وسيلة لكسب الشرعية , حيث نجدها تستمد شرعيتها عبر ثقافة تآلف القلوب وتقريب النفوس وتلين المواقف, وجعلت المال يؤدي وظيفيا دور الإطفائي أيضا, إذ تلجأ إلى المال تشتري بواسطته شرعيتها المفقودة , كما أن هذه الأنظمة تنتهج سياسة تخريب الثورات وتعطيلها عبر تشويه صورتها في ذهن مواطنيها , وتتقاسم الملكيات الأدوار في دعم فرقاء العمل السياسي في الأنظمة الجمهورية, تهدف من خلالها إلى زعزعة الأنظمة الجمهورية وإفشالها. وإشاعة عدم الاستقرار على قاعدة قانون مورفي القائل» إن.نظافة شيء يتعلق باتساخ شيء آخر».
ولعل الدورين القطري والسعودي المختلفين ظاهريا في غير قطر عربي يؤكد صحة استنتاجنا السابق, إن الملكيات الوراثية وعبر سياسات قذرة كهذه تحاول تنظيف أنظمتها وتوسيخ واحتواء الجمهوريات وزعزعة مجتمعاتها.
إن المشهد السياسي في هذا البلد ـ كما في غيره من بلاد الربيع العربي ـ يؤكد أن القوى التقليدية في المنطقة تقود مشروع إرباك العملية السياسية فيها من أجل عرقلة إقامة الدولة المدنية فالسعودية تقود حلف القوى التقليدية في المنطقة وتسعى للحفاظ على نظامها التقليدي وهذه القوى مستعدة للتضحية والقبول بأي شكل للحكم المهم أن تبقى على صدارة المشهد السياسي وتدار من الرياض وما يحدث اليوم أكبر متضرر منه هو الحراك الجنوبي فصيل البيض باعتباره سليل الاشتراكي, كما يستهدف كل القوى المدنية والحداثية لأن خصومة هذه القوى التقليدية قديمة تمتد إلى فجر الاستقلال للحراك خصومة حالية باعتباره يتلقى دعما إيرانيا وبينما تصطف القوى التقليدية خلف المشروع السعودي فإن القوى المدنية غير مستوعبة أو أن بعضها يسير خلف مشروع لا يحقق ولن يلبي مصالحها وستكتشف الخديعة لاحقا.
ومما لاشك فيه, أن معافاة الوضع العربي يحتاج إلى قوة تاريخية مدنية عابرة للأقطار, بحيث تحدث فرزا اجتماعيا للصراع بين قوتين, القوى التقليدية من جهة والقوى الحداثية المدنية من الجهة المقابلة, بغير هذا ستظل الغلبة في صالح هذه القوى التقليدية بالأقطار العربية وتستفرد بها.