بيت هائل.. والسياسة
فتحي الشرماني
لو حدث لي أن التقيت بالحاج عبدالجبار هائل سعيد وسألته سؤالا مفاده: أنت الآن ربما تكون في السبعينيات من عمرك وقد عاصرت كثيرا من الأزمات السياسية والحروب الأهلية فهل وقع أن تعرضت يوما لعملية تقطع وإساءة الأدب من قبل جماعة مجهولة اعترضت طريقك مثلما حدث لك مؤخرا وأنت في طريقك إلى صنعاء¿
لو سألته هذا السؤال فلا أشك في أنه سيرد بالنفي القاطع وسأقرأ في وجهه ملامح الدهشة والاستغراب من طبيعة الانحدار غير المسبوق الذي وصل إليه واقعنا الأمني والأخلاقي وخلفياتهما السياسية لاسيما أن أسرة هائل سعيد لا تزال تعيش لأول مرة حادثة اختطاف أحد أبنائها من وسط المدينة في وضح النهار والخاطف ليس شخصا بدائيا يعيش في أدغال أفريقيا وأحراشها وإنما هو مسلم عربي يمني قبيلي من مأرب!!.. وليس ذلك فحسب فبالأمس الأول تعرض محمد نجل الحاج عبدالجبار هائل لمحاولة اختطاف بصنعاء وهي ثالث حادثة تحدث لهذه الأسرة خلال شهر.
الدهشة التي سأقرؤها في وجه الحاج عبدالجبار هائل سأقرؤها أيضا في وجوه اليمنيين ووجوه أبناء تعز خصوصا مما تتعرض له اليوم أسرة هائل سعيد وهي تقف على رأس مجموعة تجارية رائدة لكن أرجو ألا يكون تفسير هذه الدهشة بأن أسرة هائل سعيد أقحموا أنفسهم في مجال السياسة منذ السنوات المبكرة لدخول الوطن في التعددية السياسية ثم إنهم توغلوا في السياسة مؤخرا في ظرف عصيب حين سمحوا للأخ شوقي هائل بأن يكون على رأس السلطة المحلية في محافظة لا تزال تلتهب سياسيا وأمنيا وما كان ينبغي لهم أن يفعلوا ذلك وهم بهذا الثقل الوطني المحايد والمرجعية الاجتماعية والمدنية المجمع عليها.
ربما تكون أسرة هائل سعيد قد حدثت نفسها بذلك أو سمعته من بعض الناس لكن أقول: إن هذا الكلام فيه سوء تقدير للموقف وفيه جلد للذات بغير حق فهذه الأسرة التجارية لم يكن من طبيعتها أن تعزل نفسها عن الصف الوطني أو تغض طرفها عما يحدث في الوطن أو بعبارة أخرى: إنها ليست (رأس مال انتهازي) لا يرى غير نفسه ولا يريد أن ينشغل بغير همومه الذاتية وجدير بمن يشق لنفسه هذا الطريق أن يستعذب صنوف المرارات والمضايقات في سبيل المبدأ الذي يؤمن به.
إذا أقررنا بذلك سنتذكر أن شخصا مثل الحاج علي محمد سعيد له موقع بارز في سفر النضال الوطني وما كان له أن يندم على ما قدمه فقد كان من مؤازري ثورة سبتمبر وكان خزانة الثورة التي تمدها بالدعم لتستمر وتقاوم ثم إنه شغل منصب أول وزير صحة في اليمن في أول حكومة بعد الثورة وكان عضوا في مجلس قيادة الثورة ثم عضوا في مجلس الرئاسة ثم تقلد مناصب أخرى ومن المؤكد أن يكون قد دفع ثمن موقفه ولايزال معتزا بهذا الموقف.
إذن فالمسألة تتعلق بالهوية الوطنية لرأس المال الوطني الذي يجد نفسه أمام مسؤولية تاريخية في اللحظات العصيبة والمواقف الوطنية الحساسة لأن رأس المال في هذه الحالة لا يدخل في السياق السياسي طمعا في سلطة وإنما هي مسؤولية أن تكون محل احترام الجميع وتقديرهم ومسؤولية أن تسهم في فتح قنوات للتصالح والتلاقي بين فرقاء السياسة بما يصب في مصلحة الوطن لا الأشخاص وبما يقودهم إلى المشاركة في قيادة مسيرة البناء في لحظة يكون فيها الساسة مشغولين بأنفسهم أو بأحزابهم ومؤسسات الدولة تقسöم نفسها بينهم تقول هذه: أنا مع هذا الطرف وتقول الأخرى: لا.. أنا مع ذاك الطرف!!.
ثم إنك قد تتساءل: ألم يكن بوسع هؤلاء الأثرياء – لاسيما الجيل الأول منهم – أن ينتجعوا لأنفسهم قصورا على أحد الشواطئ الأوروبية كما يصنع أثرياء العالم ويخلصوا أنفسهم من هذا الصخب والاكتواء بهذا البؤس المخيم على واقعنا اليمني خصوصا في السنوات العشر الأخيرة¿
وهنا أعود لأقول: إنه إحساس هؤلاء الناس بمسؤولية رأس المال الوطني .. وأنا شخصيا معجب بحبهم لوطنهم ومسقط رأسهم .. معجب بحبهم لمدينتهم (تعز) التي تجد شيوخا في الستينيات والسبعينيات من عمرهم مثل عبدالجبار هائل وعلي محمد سعيد وعبدالله عبده سعيد تجدهم غير قادرين على التحول عنها والتخلي عن تنسم هوائها والاستمتاع بطلعة صباحها الجميل على الرغم من كل المنغصات ولا تنسوا أن المرحوم أحمد هائل سعيد عاش في تعز ولفظ أنفاسه الأخيرة في تعز.
لعل قرائي الأعزاء يعرفون أنني لست ممن يشخصن الحديث أو يتزلف بقلمه لهذا أو ذاك في سبيل عرض من الدنيا قليل لكنني اخترت اليوم أن يكون حديثي عن هذه الأسرة التجارية التي لا تربطني بها علاقة من قريب أو بعيد لأقول بصدق ويقين: ينبغي أن نحترم وطنية هؤل