راهبات الأم تريزا في الحصب
د. ياسين عبدالعليم القباطي
خمس سنوات مضت على هروبي من آنس إلى تعز لم يزرني فيها أحد من الأهل غير إخوتي محمد وعبدالولي بعد عودته من بلاد السعودي سيارة عسكرية تقف أمام بيتي لا شك إنهم عساكر من الأهل قبيلتنا أنس كانوا عسكر الإمام وصاروا عساكر الجمهورية لست بعيدا من بيتي أعمل في بناء بيت سعيد حسن القادم من جبال القبطة في أقصى جنوب لواء تعز أصابه الجذام فهرب مع عائلته إلى الحصب بدأ في القسم واليوم يبني بيته بجانبه ليعيش معنا في مجتمع الجذام المتألف المعزول.
الأطفال يهرولون يصيحون “تعالى ياعم أحمد عساكر أمام بيتك” غسلت الطين من يدي مسحت الماء على سروالي وهرولت لأرى ضابطا تعلو كتفه عدة نجوم وعساكر بجانبه عرفته سيارة الجيش لابني عمي الشيخ حسين ابوحسن في ريعان شبابه جاء لزيارتي ويرافقه ابن عمي محمد ناصر أبو حسن زميل طفولتي صديقي زميلي حبيبي رفيق سفري المضني مشيا إلى بلاد السعودي معهم بعض أفراد من الأسرة عساكر يرتدون الميري أنس قبيلة من العسكر لا تقطع الطرق ولا تهاجم المسافرين لا ينهبون القرى يخدمون الحاكم من كان يكون! السيارة محملة بالهدايا فراش وبطانيات ووسائد ومعلبات من الفول والصلصة والفاصوليا والتونة والسكر والرز تموين عسكر احضرها إبن عمي من معسكره بالمخا لا مشكلة في عهد القاضي قائد المعسكر هو مالكه يأخذ منه ما يريد يهدي ما يشاء لمن يريد لا رقابة عليه إبن عمي شيخ تعين قائدا لمعسكر في المخا منصب بسيط ليس كمنصب أبناء مشايخ قبايل الشمال الذين تصالحوا مع الجمهوريين واحتلوا مناصب رفيعة في الجيش والحكومة بموجب اتفاقية الخرطوم للمصالحة مع الملكيين ابن عمي حسين مؤيد للجمهورية منذ قيامها ليس كعمه ناصر قائد مجاهدين مولانا البدر الذين ذهبت معهم إلى نجران للعلاج من الجذام ماشيا على قدم مشققة.
استضفت أبناء عمومتي فرحت بهم فرحا شديدا في تلك الأيام لم يكن احد يحضر إلى الحصب بحضورهم بدأت أشعر إن عزلتي في حصب تعز ستنتهي فهاهم أهلي يزورونني ولا يخافون من الجذام اخبرني ابن عمي حسين انه صار قريبا مني في المخا وسيزورني كثيرا بعد هذا وفرحت بهذا الخبر هاهي آنس تقترب مني بعد أن ابتعدت عنها.
سألوني عن أخباري وبمن تزوجت¿ ومن أي قبيلة¿ أخبرتهم بكل شيء كنت أتحدث معهم بينما كانت زوجتي تقوم بواجباتها لما يلزم لضيافتهم من مأكولات أنس ( عصيد هريش فته خبز بأنواعه الملوج والملوح والمقالي والسلته وكل شي يحبوه طبخته لهم أم عبدالرحمن) زوجتي طباخة ماهرة تعلمت الطبخ على يد أمها في عنس بيتهم مفتوح لكل من وصل قريتهم والدها مثال للكرم والشهامة ولم تكن تظهر عليها أي تشوهات من مرض الجذام ولا ملل من خدمة الضيوف ضيوفي فرحون مسرورون سعداء بسعادتي. أستمتعنا بوجبة شهية وقضينا مقيل ذلك اليوم نستمع الى أخبار الحرب في شمال جزيرة العرب وإلى أغان شجية من محمد مرشد وأيوب والآنسي من الراديو الذي اشتريته لأسمع أخبار حرب أكتوبر حرب تحرير فلسطين كنت فخورا بهذا الراديو الذي ينقل لي أخبار العالم من صوت العرب وصنعاء وعدن وتعز وحتى من محطة لندن.
قضى الضيوف ليلتهم عندي وفي اليوم التالي استضافهم الوالد محمد صالح الآنسي فأكرمهم وذبح لهم من مواشيه وبعد تلك الزيارة انتقلت عبرهم أخباري وأخبار زوجتي الحبيبة إلى قريتنا وقبيلتنا في أنس وعنس تحدثوا عن قصتنا وكيف تعالجنا في تعز وشفينا من الجذام وصار لدينا بيت وطفل وانتشرت الأخبار بأن من يذهب إلى تعز مريضا يعود منها بخير متعافي وكانت نتائج تلك الزيارة بشير خير لكنها صارت من بعد كثيرة التكاليف والمسئولية علي وعلى زوجتي صار بيتنا يعج بالمرضى القادمين من القرى في عنس وآنس يأتون للعلاج في تعز كانت تعز مركزا للعلاج سمعتها كسمعة مشاف العالم المتطور كان الأهل يأتون من قراهم محملين بالسمن والعسل والحبوب وبعضهم يحضر معه اللحم النيئ يذبحون الماشية في قراهم ويحضرون قطع اللحم في خرقة من القماش تطبخها أم عبدالرحمن لهم بعد تلك الزيارة لم يخل بيتنا من الضيوف أناس يذهبون وأناس يأتون كانت زوجتي تتعب كثيرا في إعداد طعامهم وتنظيف مخلفاتهم قاتهم كانت تنام متأخرة وتصحو قبل صلاة الفجر ثم تقوم بإعداد العجين اللازم للفطور توقد الحطب في التنور وتحضر خبزا طريا دافئا ولا يستيقظ الضيوف إلا على الفطور الدافئ تعبت زوجتي الخبرة يأكلون بشره كبير يعجبهم طبيخ زوجتي لا يفكرون بالجهد الذي تبذله لم نتضايق فقد بدأنا نشعر أن عقدة ووصمة الجذام تتلاشى مع قدوم الزوار أذهب معهم إلى العيادات الخاصة بعد العصر أو إلى المستشفيات الحكومية في الصباح ويضيع وقتي و
