الأمن الثقافي والحوار الوطني
أ. علي أحمد عبده قاسم
تشكل الثقافة والفكر المورد الرئيس للرؤية والتنمية والتطور مهما همشت وابتعدت عن مجريات الكواليس لكنها تبقى المصدر الذي تستقي منه الغرف المغلقة أحداثها ورؤاها. وكثيرا ما نسمع الأهمية القصوى للأمن العام باعتباره مرتكز الاستقرار والتنمية وتحقق العدالة ولا يختلف عليه اثنان ونسمع عن الأمن الغذائي باعتباره مرتكزا للاستقلالية والرافد الأكبر للاستقرار السياسي وغير ذلك من ضروب الأمن كالاقتصادي والسياسي وغيرها.
لكني أستمع في هذه المرحلة عن شيء اسمه الأمن الثقافي والفكري والذي يتحقق بتعدد روافد الثقافة المتزنة المتغيرة مع العصر والثابتة الناهلة من الموروث ويتأتى ذلك من خلال رأس الدولة المؤمنة بالثقافة والفكر الباحثة عن الثراء من خلال غرس روح الثقافة في الأجيال من خلال المكتبات المدرسية ورفدها بالكتب المتنوعة فضلا عن نشر المكتبات العامة في ربوع الوطن حتى يسهل للقارئ والباحث الرجوع للكتاب ليس هذا فحسب بل يجب أن تتنوع وسائل النشر ومنابر الثقافة من الإصدارات والدوريات والملاحق وتكريس أوقات ما بين الحين والآخر لعقد الندوات والمؤتمرات الفكرية والثقافية وأن تمتلك الدولة مؤسسات فاعلة وليس مسميات مجاراة للدول الأخرى وليس مؤسسات تعمل على ترسيخ حقوق المبدعين واكتشاف أمثالهم وتعمل على الإعلاء من شأن الثقافة والفكر من الأبحاث العلمية والمشاركات الخارجية وإقامة أكثر من معرض في العام الواحد ولكن المؤسسات الثقافية عموما في بلادنا عاجزة عن أخذ حقوقها من الدولة خصوصا المالية فكيف يتأتى لها أن تمتلك مطبعة حديثة تثري المشهد وترسخ الحقوق الفكرية والملكية للمبدعين والحقوق المالية وترسم علاقة متوازنة ما بين الثقافة ودور النشر فضلا عن الاتصال الثقافي العربي والاتصال والتواصل الثقافي مع الآخر فلو سأل الفرد نفسه عن عدد الإصدارات في العام الواحد لكان الإحباط المخيم على الذات ولو تساءل عن المهتم بمستوى دخل الثقافة والحصة لها من ميزانية الدولة فإن الإجابة ستكون أن أدنى معدل في ميزانية الدولة هي ميزانية الثقافة مما يعكس الأمن الثقافي في البلاد العربية عموما وفي اليمن خصوصا ويرجع ذلك إلى تلك العلاقة المضطربة ما بين السياسة والثقافة باعتبار أن سلطوية السياسي تخضع الثقافة والفكر إلى خانة الضم إليه ومن ثم تجبر الرؤية الثقافية الفكرية لمصالحه السياسية مما أفضى إلى حالة من التنافر ما بين السياسي والمثقف وأفضى إلى حالة من الاحتقان كان من نتائجها الأحداث العربية الأخيرة فقد كان للثقافة والفكر دور في تلك الأحداث بسبب تلك العلاقة القلقة مما أدى إلى انعدام الأمن الثقافي والفكري.
وإذا كانت بلادنا الآن في مرحلة الحوار والمصالحة فهل ذلكم الحوار سيرتب لعلاقة جديدة ما بين الثقافة والسياسة ولكني متفائل من خلال جدية الحوار ومتشائم بوصف أن المؤسسات الثقافية برموزها الكثيرة لم أر إلا بعدد الأصابع من الممثلين للثقافة وهم أكثر حرصا على الوطن ولعل سؤال الثقافة هنا يقول: هل الممثلون للثقافة والفكر سيعطون شيئا من اهتمامهم للثقافة والمؤسسات ويتلافون قصور الماضي أم أنهم سينجرون وراء السياسة ويتناسون الأمن الثقافي عامة¿! ولعل من أسباب عدم الاكتمال للأمن الثقافي عموما إن الرؤية سواء كانت ثقافية أو فكرية أو سياسية أو غيرها والتي لا تتناسب مع السياسي ترمى جانبا مما أفضى إلى أن الرؤية تابعة وهذا يعتبر محور التخلف باعتبار أن الرؤية ترسم مستقبلا وتتطلع للأفضل فهل مهمة الحوار أن ينجز جديدا بحيث يعكس الأسلوب بحيث تصبح السياسة تابعة للرؤية والبحث وهذا هو أسلوب الدول المتقدمة. وأيضا إن الأمن الثقافي من أهدافه الفكرية الوصول بالعقلية عموما إلى حالة من العقلانية في علاقة السياسة بالشعب وعلاقة الشعب بأطرافه وعلاقة المجتمع بغيره لتتلاشى الصراعات ويحل السلام.
وإذا ما اعترف العرب عموما أنهم فشلوا عبر مراحل تاريخهم المختلفة في خلق استراتيجية ومنهج للتداول السلمي ولم يستفد أحد من تكرار الصراعات وإن لم يتمكن العرب عموما من إيجاد هذا المنهج الحقيقي للتداول السلمي فإنهم يدورون في حلقة مفرغة من الأوهام وهذا مطلب ملح كي يتحقق الأمن الثقافي حتى يتأتى للمواطن كرامة وتتبلور الرؤى لخدمة مناحي حياة الإنسان ويتحقق للثقافة والفكر علاقة مستقرة ويتحقق للجميع القبول بالعقلانية.