موعد آخر !
هشام عبدالله ورو
وأنا أقوم بصف وترتيب وتوثيق الكتب المهداة من الهيئة العامة للكتاب لمكتبة زبيد العامة تفاجأت بالكم والنوع لإصدارات هيئة الكتاب الحديثة التي مثلت قفزة نوعية في مسار العمل الثقافي اليمني وهي خطوة تحسب لهيئة الكتاب وقياداتها الحالية التي تعمل دون ضجيج إعلامي وكنت أتمنى أن تقوم الصحافة المحلية بنشر خبر وعرض هذه الكتب لأن الثقافة تتطلب صناعة إعلامية واسعة كي نعمل على الانتصار لترسيخ مفهوم الهوية الثقافية اليمنية لا سيما في العصر الحالي , وقد وقع بين يدي من هذه الإصدارات موعد آخر للأديبة سهير السمان وهو عمل قصصي رائع في طبعته الثانية , ولا أعتقد أني سأفي الكاتبة حقها بعد أن تعرض لحروفها أديب اليمن الكبيرد. عبدالعزيز المقالح وأيضا المفكر والكاتب الأستاذ عبدالباري طاهر رئيس الهيئة العامة للكتاب وفعلا أتساءل وأنا أعيش بين هذه الأسطر ماذا عساي أن أتحدث ! لكني مروادتي للوحة المفاتح كانت أكبر من ذلك التردد إذ أني شعرت فعلا أني عشت تفاصيل تلك الأقاصيص النابضة بالحياة , والتي خرجت من تجارب لم تعايشها القاصة فحسب بل هي لغة جيل بأكمله فكانت حروف السمان ممزوجة بدم تلك الأرواح , ولعلي وقفت على باكورة هذا الإصدار وهو الإهداء الشعري الممزوج بالعاطفة والثورة في آن واحد فلم يكن ذلك الإهداء تقليديا بقدر ماكان عدة رسائل باشرتنا بها الكاتبة وكأن لا وقت لديها للانتظار : إلى تلك الأرواح التي تجردت من قاذورات الحياة.. إلى وطني المسلوب إلى كل من نبض قلبه حبا للبشر .. إلى من ذرف الدمع لكل مشرد عن أهله والوطن .. إلى أمي التي تنثر دعائها لي عند السحر.. إليك يا من أرسله لي القدر. لقد كانت هذه الفاتحة بوابة رائعة للدخول في عوالم نصوص تتسم ببساطة الحرف والكلمة ممزوجة بحروف المعاناة والأسلوب الذي سيجبرك على الوقوف عند نهاية قصة لم تنتهي في الواقع لكن ذلك التوقف يحمل دلالات الرفض لمعاني كثيرة من السلبيات ففي نص رائحة خضراء تصور لنا القاصة ذلك الامتهان الرديء للمؤسسات الحكومية من خلال تعاطي ما أسمته الذهب الأخضر (القات) وهي لم تذكره بمصطلحة على الإطلاق واعتقد أن هذا دلالة على الرفض مبدئيا للتعامل معه كحالة تستحق الوقوف أمامها لا سيما وهي تشاهد وجوه منتفخة خلف مكاتب أنيقة واعتقد أن هذا النص دعوة لتخليص مؤسساتنا الرسمية من هذا الفعل الغير حضاري . الخرقة البيضاء كان عنوانا لموضوع اجتماعي معقد تعايشه كثير من الأطفال الفتيات اللواتي يقدنهن أولياء أمورهن إلى مذبحة الزواج في سن مبكرة فكان تصويرا يحاكي ذلك الواقع المؤلم ناهيك أن الحبكة القصصية كانت تعيش أوج ذروتها في هذا النص بالذات فامتزجت مشاعر الأسى بلهفة القادم وقد حملت رسالة سامية قلما يستوعبها العالم المتأخر مثل عوالمنا المترهلة بنوعيات هزيلة من البشر, وما أقسى تلك الخاتمة للحلم الذي صنعه الزمن لشباب الوطن الذي يعيثون في الطرقات بعد تخرجهم من الجامعة فكانت مشهدا مؤلما وهي تحكي قصة شاب انتهى به التعليم بعد الجامعة إلى رصيفها : (وهناك أمام كليته العصماء , أخذ مكانا بجانب بائع الكراسات والأقلام,وعلى عربته الجديدة يبيع أحلامه للطلبة القادمين من وراء الأحلام) ولم أكن أتوقع أن خيال الحديدة بكل تفاصيلها يعيش في ذاكرة السمان منذ بواكير قضية المجاري فقد ذكرتني بمدينة الحديدة عروس البحر الأحمر وهي تشرح واقع الطرقات في اليمن وما تتعرض له من فساد إداري في جراء قيام الإدارات العابثة بما يروق لها من فساد نوعي وهنا أختلف معها في أمر واحد أن النص جاء متأخرا فأبناء المسئولين لم يعودوا يخاطروا بأبنائهم لكنهم يختارون لهم سيارات خاصة ومدارس لا تقع شوارعها تحت طائلة الفساد , فعلا لم يكن ذلك التشريح مجرد لمحة لموضوع ما بل هي رمزية متناهية لكل أحلامنا التي تتكسر أمام فسادهم وقيء نزواتهم . لقد حاولت الكاتبة أن توصل رسالة إنسانية عبر مجموعتها القصصية من خلال تعرضها لقضايا اجتماعية جوهرية بل ولسلبيات جاءت من معايشة يومية جسدتها الكاتبة في تلك القوالب اتسمت مجموعة السمان القصصية بالمباشرة تارة عندما تجد نفسها أمام فكرة أو حدث مباشر لا يسع القلم فيه سوى البساطة الراقية برقي فكركل القراء في كل المستويات , وتارة أخرى تتذكر السمان أنها كاتبة في عصر الرمزية فتتجه إلى رمزية متناهية في الصورة شاردة بفكر المتلقى إلى حيث شاء لها التصوير , لكن مع كل هذا التنوع الإبداعي إلا أن الكاتبة استطاعت أن تربط مجموعتها وأقصوصاتها بسلسلة مترابطة في قالب اجتماعي تجعل من القارئ منهمكا في الاستمرار وكأننا أمام رواية من فصول عدة ذلك أن حكايا النصوص تحاكي واقعا أليما من الناحية المجتمعية والإنسانية