اليمن ووحدوية الانفصال
أحمد الشرعبي
نبهنا مرارا من مخاطر وضع الحوار الوطني في اليمن على فوهة البركان أوتطويعه في مصلحة أطراف الصراع.. وقلنا أن أوضاع هذا البلد تزداد سوءا كلما جرى التعويل على حسن النية تجاه معاول الهدم التي تناوبت على إنهاكه توافقات الأخوة الأعداء قبل وبعد الوحدة.. ولم تكن البدائل التي تثيرها بين فينة وأخرى تراهن على صمم الداخل قدر الثقة بالأشقآء وآليات العمل المشترك لدول المبادرة الخليجية ومتابعتها المؤسسية التي لا تستنكف سماع الآراء المنبعثة من أنين الضحايا والمعبرة عن تطلعات شعب هدته ثقافة عصبوية أثمرت صراعا عدميا لم نجد من مخرجاته غير صدامية صالح وانتقائية الإخوان وأممية الانفصال.. بيد أن فكرة (الخمسة نجوم) غدت مكانا لانعقاد فعاليات المؤتمر كما صيرها التقاسم الى شريحة تواصل بين مواطني الدرجة الأولى والدولة من جهة وبينهما معا والدول العشر الراعية من الجهة الأخرى وأحسبها نفس الفكرة والشريحة التي فصلت الحوار بمقاس النخب المأزومة واستثنت شعبا من الفقرآء!!
اليوم سيهرع الأشقاء والعالم لإنقاذ التسوية السياسية في اليمن بعد تواتر الأنباء عن انقسام اللحظات الأخيرة من مجريات الحوار على مستقبل 90% من السكان يعيشون تحت خط الفقر!! أثق أن أموالا طائلة ستضخ إلى جيوب متعهدي الإطفاء من بشمركة نصف النظام السابق وسدنة الربيع اليمني المصلوب على جذع أزمة تتغذى على التخلف والارتهان وتستغبي المجتمع بمشجب التثاقف الحداثي المزور.
إن كان الجور والاستحواذ يقفان خلف صيحة الانفصال المدوية في أفواه معظم أبناء المحافظات الجنوبية فإن الانفصاليين الأساس هم ولا شك من يستخدمون (فيتو) الوحدة لإعاقة الحوار كما رفعوا شعارها ذريعة للانقضاض على وثيقة العهد والاتفاق.. والتاريخ ــ هنا ــ لا يكرر نفسه وحسب وإنما يتغوط فوق ذاكرة الناس¿
قبل التوقيع على المبادرة الخليجية قالت الحركة الديمقراطية للتغيير والبناء في بيان مناشدة لأشقاء اليمن وأصدقائه أن خروج البلاد من النفق المظلم مرهون بوضع مالا يزيد عن 200 شخصية سياسية قيد الإقامة الجبرية في جزيرة نائية ولكل طرف من طرفي الصراع ترشيح 50% من هؤلاء طالما يعتبرهم سببا فيما منيت به اليمن من كوارث.. وإني لأزعم أن معظمهم شاركوا في الفعاليات الحوارية وبعثوا الرسائل الفورية من هواتفهم النقالة بضرب أنابيب النفط ونسف خطوط الكهرباء وتطويق اليمنيين بالمخاطر.
أعلم ما لدى القيادات السياسية التقليدية من خبرة في تتويه أشقاء اليمن وأصدقائه وما يبذله كل طرف من جهد ــ لا في مصلحة البلاد ــ ولكن لاستعداء الخارج ضد خصومه لدرجة التحريض العلني ــ وما خفي.. ــ ضد الرئيس الانتقالي وتحميله مسئولية الانحياز للتجمع اليمني للإصلاح لمجرد رفضه الانصياع لسلفه أو اعتبار نفسه صورة منه..¿ يقال هذا مع أن المبادرة الخليجية لم تمنح الرئيس هادي غير صلاحية البت فيما يختلف عليه طرفي الصراع داخل حكومة يقودها متنفذبالسخرة وتدير عملية التقاسم بنجاح فائق على حين اخفقت مختلف قوى الصراع في خطف الرئيس عبد ربه منصور لصالح اي منها ضد الآخر..
ومن غير مداورة أو غموض فإن قواعد اللعبة السياسية في اليمن ترتكز على سيادة العقل العصبوي وتمجيد الأزمة وادخارها والرهان على تعدد أنماطها وأسواقها وشعاراتها ومذاهبها وجغرافيتها لا بوصفها منتج المجتمعات المتخلفة وناظم علاقاتها القبلية والمذهبية والقروية ولكن بكونها أهم المصادر المدرة للربح السريع وإحدى طرق الاستثمار الآمن لطبقة من قيادات الصف الأول في السلطة والمعارضة¿
وطالما كانت الأزمة ممكنة فليس مهما تبعاتها كما لا ضرورة لإضاعة الوقت على سبيل بحث التوقعات الأولية حول كلفتها العالية من الأرواح والدماء ولكن المهم مدى وحجم المردود السريع لهذه البؤرة الملتهبةأو تلك..¿ قد تكون الأزمة حربا بالوكالة متى اقترن نشوئها بمتطلب خارجي لكنها في الغالب حاجة تمليها قوة العادة لتتحول فيما بعد إلى سلعة للعرض على مصدر تمويل¿
عندما بدأ فرقاء الصراع بحث الترتيبات المطلوبة لإنجاز مؤتمر شامل للحوار الوطني ساد المجتمع خدر لذيذ ساحر آسر من التفاؤل بإمكانية انتشال الوضع من قاع التشظي والاحتراب ولاحت بوادر ابتهاج في أوساط الضحايا وتحديدا قوى التغيير غير المتورطة باحترابات وفساد وأزمات الماضي لكن سرعان ما بدد الفرقاء تلك المباهج¿
وما حدث أن القيادات التاريخية بتجاربها العتيدة في تفخيخ الفرص أجلت ثأراتها البينية وعملت ــ على قلب رجل واحد ــ من أجل زرع العبوات الناسفة ضمن قواعد وشروط وأطراف مؤتمر الحوار مؤثرة الكمون في قلب العملية الحوارية وتربص آخ