مع كل هذا.. هناك شرعية للتفكيك
■ صدام الشيباني
• خرج خطاب الثقافة العربية في العقود الماضية من قاعدتين : قاعدة السلطة وقاعدة المعارضة في الأقاليم التي سمحت بالهامش الديموقراطي , وقد كان الخطاب الماثل للقراءة خطاب السلطة , وتم تحميله ما لا يحتمل من العبقرية والحصافة والمهنية وقد صنع هذا الخطاب أزمات ادت الى تفجير الأوضاع في دول عديدة . حاول الخطاب المعارض أن يفضح ممارسات الهيمنة الخطابية للسلطة , ولأن الأدوات قديمة فقد بذل ما يستطيع من اجل ان يقدم خطابا ناقدا يعبر عن تطلعات الجماهير العربية . ومع تراكم الرغبات والحاجات والأحلام عدة عقود , فقد ظهرت فجوة كبيرة بين الخطاب وآلياته , وأهداف الحياة وضرورياتها للإنسان . ومع ذلك عد كل خطاب عملا تثقيفيا يمس المواطن العربي من قريب أو من بعيد , سواء كان هذا الخطاب نابعا من مشروع أو نابعا من مصالح مؤقتة . وقد شعر بأن الخطاب لم يعد يجدي شيئا لتفاقم الأزمات , وغياب الحل المناسب لبعضها , وهذا أقنع الكثير من النخب المثقفة والسياسية الى البحث عن آليات التفكيك من اجل تفكيك الخطاب الثقافي العربي بالآليات المنهجية المعاصرة المشاركة في صناعة الحضارة العالمية . لقد شهد خطاب الثقافة العربية تفكيكين : الأول تم من النظر الى التراث الفقهي والسياسي , إذ أسهم الخطاب في طرح الرؤى التي تؤسس لمشروع الدولة والسلطة المختلفة عن النموذج الخطابي الحاكم بالاستفادة مما تجود به اللغة من مسارات البحث والتأسيس لمشروع الاختلاف القرائي (كما ركز الجابري على ذلك في مؤلفاته) , كخطاب الاعتزال , وخطاب التشيع وخطاب التصوف , وخطاب التسنن , وهي خطابات مؤسسة , تحمل في مضمرها التفكيك لأحادية المعنى في الفكر العربي . والثاني : تم مع خطاب النهضة حال تكون الدولة القومية العربية , وذلك في إعادة صياغة التراث العربي والتأسيس للدولة العلمانية – في بعض الأقطار – كما يسميها المفكرون , ففي هذا الخطاب امتزج التقليدي والأجنبي والحديث ,’ فتصارعت الأنساق الخطابية , وانتصرت الأنساق التقليدية لتخلف الداخل العربي ورغبة الخارج في ظهور ذلك . التفكيك في المرحلة الأولى أسس الدولة المذهبية وصنع مسارا أحاديا للبحث عن المعنى وتأسيس تاريخيته , وفي المرحلة الثانية كان التفكيك بعيدا عن القاعدة الفكرية والفلسفية , وهي مرحلة عمت فيها الفوضى , مع وجود عوامل رئيسة ,قيام دولة إسرائيل , وانهيار السوفيت , وأحداث سبتمبر . ومع ذلك هناك حاجة ملحة للتفكيك في أية حالة . كل الأصول التفكيكية خرجت من المظهر اللغوي قديما وحديثا , كالمسائل البيانية ومسائل التأويل , ومسائل الشطح , وأساليب التعبير المختلفة , وعمل أساتذة اللغة على توسيع هذا المجال من اجل توسيع قاعدة بيانات الخطاب ونسقه , ليتسع على قاعدة الفكر . وهذا وضع المرسى لخطاب الثقافة الذي تحول الى آليات عقلية لتحليل ما يحدث في العالم في معارك وصراعات . مسار اللغة أثر في مسار الثقافة , ومسار الثقافة أثر في مسار القومية , الذي تشعب الى أطر متعددة , باستقلالية المحتوى السياسي , وبقاء الأنساق الثقافية تختلف وتتفق على الخطاب العمومي للثقافة . مع إبداء الحذر من الخطابات العنيفة التي تتجاوز كل الحواجز , وتصل الى العمق الفكري للمنشأ القومي لهذه الدولة او تلك . ومع الإطار القومي تأثر إطار الخطاب والتداول القائم عليه , فنشأت جدلية اللغة والفكر على هذا الأساس الحدودي بينهما , والممارسات الفاعلة للتفكير . تفكيك القومية العامة الى أطر قومية ضيقة ينهش في جسد التاريخ , ويحول التاريخ الى مقولات ينطبق عليها الحذف والنسيان والتغيير , والتزييف , وهذا يخرج التاريخ من (المرجعية ) , خصوصا إذا حاولت القوميات المصنعة (المزيفة ) ان تستولي على معنى الأحداث وتسير بها الى ما تريد ان تصل اليه , هذا ينطبق على القومية العربية والقوميات الإقليمية فيها , وتمزيق مقولة التاريخ العربي . وتوجد قوميات إقليمية – اليوم – تفكك التاريخ العربي من أجل إنشاء تاريخ مستحدث لها لتضمن شرعياتها في البقاء على حساب المركزية العربية , وذلك بتحويلها الى بؤر صراعية . بالاتكاء على المرحلة الأولى يأخذ مسار تأويل التاريخ (التعددية ) في التأويل , إذ كل مسار لغوي حدد الأطر التأويلية لإثبات الحق الشرعي في الوصول الى القوة والسلطة , دون أن تلتقي هذه الأطر . ووقف المعنى عند الصيغة التعددية للخطاب . وعند الوقوف على المرحلة الثانية التي مازالت ترسل خطابها الى اللحظة يكون التاريخ أشبه بالشجرة , يتم تقسيم هذه الشجرة الى شتلات من اجل غرسها من جديد , ومحاولة استزراعها أملا في بقاء الجذور على قيد الحياة . فتنبت في أقاليم وتموت في أخرى حسب السياسة المتبعة