الحرب ضد سوريا.. وإيقاعات المبادرة الروسية الأخيرة
عبدالباقي اسماعيل
> إن الحرب تتراجع ليس لأنها لم تعد ممكنة أو جذابة ولكن الآن الشعوب والقادة في العالم المتقدم – حيث كانت الحرب موطنه في الماضي – اكتشفوا على نحو متزايد أن الحرب مثيرة للاشمئزاز وسخيفة وغير حكيمة.. جون ميللر.
خفت في الآونة الأخيرة وتيرة السحابات الداكنة للحرب ضد سوريا والتي اتخذتها الإدارة الأمريكية ذريعة لردع النظام السوري عن استخدام أسلحة الدمار الشامل لديه والمتمثلة باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين.
كما جرى يوم الـ21 من اغسطس الماضي والتي راح ضحيتها أكثر من 1450 مدنيا منهم 426 طفلا وجد منهم 75 طفلا رضيعا وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد وضع أوائل العام الماضي خطا أحمر يبدأ مع استخدام الأسلحة الكيميائية في الصراع المسلح بين قوات النظام السوري وقوى الثورة المسلحة المناهضة له لكي تبدأ امريكا في التدخل عسكريا في ذلك الصراع. ورغم أن فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة والمكلف بالتحقيق في دعاوى استخدام النظام السوري لغاز السارين القاتل في هجومه على غوطتي دمشق يوم 21 أغسطس ضد قوى الثورة المسلحة التي تسيطر ميدانيا على تلك المنطقة وظهر منها نشاط عسكري فعال في تلك الفترة هددت بصورة خطيرة العاصمة دمشق بل كادت أن تقضي على رأس النظام عندما هاجمت موكبه قبل أسابيع معدودة بينما كان متوجها لإلقاء خطاب في مناسبة سورية وطنية. وتحت هذه الظروف المتحركة ادعت الإدارة الأمريكية أنها تمتلك أدلة استخباراتية دقيقة 100% تحدد المكان الذي كان منطلقا للهجوم الكيميائي والآليات العسكرية التي استخدمت في الهجوم وكذلك تسلسل الأوامر التي صدرت وساعة الصفر والجبهة المستهدفة من الهجوم وكل الأمور المتعلقة به فاستبقت بذلك تقرير المحققين الدوليين المنهمكين في هولندا وفنلندا لدراسة ما جمعوه من موقع الجريمة في ريف دمشق من استدلالات وعينات والتي تشير نتائجها من ناحية أولية إلى أن أسلحة كيميائية وبالذات غاز السارين قد استخدمت فعلا دون تحديد الجهة التي استخدمتها مما جعل قوى الضغط في الولايات المتحدة تستفز الرئيس أوباما بأن النظام السوري قد استخدم الكيمياوي أكثر من 14 مرة بصورة محدودة وأنه قد استخدمه على نطاق واسع يوم 21 أغسطس وأن النظام السوري قد تجاوز الخط الأحمر الذي حددته الإدارة الأمريكية وأخذت تلك القوى تدفع الرئيس للرد عقابا من ناحية وردعا من ناحية أخرى وفعلا بدأ الحديث عن ضربة عسكرية ضد النظام السوري لا تستهدف اسقاطه نظريا إنما عقابه على فعلته البشعة وأعطيت الأوامر إلى البوارج وحاملات الطائرات كي تأخذ أماكنها الهجومية في شرق البحر المتوسط وشمال البحر الأحمر والمحيط الهندي استعدادا لتنفيذ أمر الرئىس الأمريكي القائد الأعلى للقوات المسلحة لشن هجوم صاروخي يستهدف مفاصل القوات السورية كالمنصات المختلفة لإطلاق الصواريخ والمطارات والطائرات وأوجه القوة التي تميز بها الجيش السوري إلا أن عائقين جوهريين حالا دون الإسراع في تنفيذ الهجوم ضد النظام السوري أولهما: قانوني وإداري من ناحية مجلسي الكونجرس باعتبار أن الكونجرس هو سيد القرار الشعبي والعسكري ويواجه الرئىس الأمريكي رفضا شعبيا لخوض أي حرب وبنسبة تتجاوز 68% ورفضا آخر من قبل أعضاء مجلسي الكونجرس قد تضاهي نفس النسبة على أقل تقدير مما تطلب جهودا سياسية وإعلامية جبارة من قبل أقطاب الإدارة الأمريكية وبالذات الرئىس وجهاز البيت الأبيض إلى جانب وزارتي الدفاع والخارجية أما ثاني العوائق فيرتبط بطبيعة العلاقات الدولية والتي هي انعكاس لتطورات اقتصادية وسياسية واسعة فالرئيس الأمريكي والذي أبدى ترددا ملحوظا في الاستجابة إلى قرار الحرب محكوما بالأوضاع الاقتصادية والسياسية الداخلية فهو يمتلك رؤى وبرامج اقتصادية واجتماعية يسعى إلى تطبيقها وتمس الحالة الاقتصادية الأمريكية برمتها والطبقة المتوسطة التي يهدف من وراء رؤاه وبرامجه إلى انتشالها من البؤس المعيشي والتعثرات الاقتصادية المزمنة وهو لا يريد لتلك الرؤى والبرامج أن تواجه صعوبات خطيرة خصوصا مع شن حرب قد يتحكم في بدايتها لكنه ربما يعجز عن إدارتها وتحديد نهايتها. هذا إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الانتخابات التشريعية النصفية على الأبواب فهي على بعد شهور معدودة من بداية العام القادم والرئيس يبذل أقصى ما يستطيع من جهد ويزيد تصرفاته على أن تأتي الانتخابات التشريعية بمجلس نواب يكون للحزب الديمقراطي فيه أغلبية تمكنه من الحركة بحرية وليونة وإلا فإنه سيظل مقيدا في تنفيذ برامجه وسياساته خلال بقية ولايته إذا ما أتت