البيئة ونهاية الغرب

يعيش العالم الغربي منذ سنوات أزمة كبيرة انطلقت من الولايات المتحدة الأميركية في خريف عام 2008. لكن الكاتب السياسي الفرنسي المتخصص في مسائل البيئة وعلاقتها بمستقبل العالم يذهب إلى القول إن الأمر أبعد من أزمة إنه يتعلق بـ: “نهاية الغرب وولادة العالم” كما يقول عنوان كتابه الأخير.
يصوغ المؤلف في هذا الكتاب نوعا من “النداء” الموجه إلى الغرب من أجل أن يتوقف عن سرد القصص والحكايات عن الأزمة. ويواجه صميم المشكلة المطروحة على هذا الغرب بل وعلى العالم كله في بدايات القرن الحادي والعشرين. وتتأسس خلفية هذا النداء على مقولة جوهرية مفادها أنه من المستحيل تعميم نموذج موديل- الاستهلاك الغربي على صعيد العالم كله. ذلك أن الأذى الذي يلحقه هذا النموذج على البيئة يمنع تعميم مثل هذا النموذج.
وحسب المؤلف فإن الوجه الآخر لما تفرضه المحافظة على البيئة يتمثل في القول انه ينبغي على المجتمعات الاستهلاكية الغربية خاصة والغنية عامة تقليص مستوى استهلاكها كي يأخذ جميع أبناء الإنسانية نصيبهم من ما تنتجه الأرض. وبتعبير آخر يقول المؤلف إن “إفقار الغرب أمر لا بد منه” وبالتالي ينبغي أن يتوقف السعي نحو قدر أكبر من الثراء “على حساب الآخرين”. إذ إن الغرب لن يستطيع حسب تحليلات المؤلف أن يتابع مسيرته وتوجهاته نحو رفع مستوى ثرائه المادي.
ويرى هيرفي كيمف أنه محكوم على الغرب بـالموت بالمعنى نهاية حالة الرخاء الراهنة كي ينبثق بالمقابل عالم جديد. وبالتالي ينبغي على المجتمعات المعنية الغربية أن تستعد للتأقلم مع “العالم الجديد”.
وفي عودة إلى التأمل حول بدايات الإنسانية يجد المؤلف أنه مطلوب من المجتمعات الغربية تحديدا أن تتأمل جيدا الماضي من أجل السبيل الأفضل للتوجه نحو المستقبل.
ويشير المؤلف إلى أنه لا يرى مخرجا آخر لتجنب الحروب المحتملة على مصادر الطاقة وغيرها من الثروات “غير المتجددة أي المحكوم عليها بالنضوب الكامل في أفق قريب.
يمثل القسم الأول من الكتاب نوعا من “إعادة القراءة” في تاريخ الإنسانية. والمشكلة الكبيرة المطروحة على البشرية حاليا يحددها “هيرفي كيمف” في كون البشر أصبحوا أكثر عددا وأكثر شراهة.. والأرض التي هي المصدر الأساسي لتغذية أبنائها ولكنها لم تعد قادرة على تأمين متطلبات نمط الاستهلاك الغربي لـ9 مليارات من البشر.
ويشدد المؤلف على أن “نموذج موديل- السعادة بواسطة الاستهلاك” أصبح حلما بالنسبة لمليارات البشر في العالم. وغدا يتقاسم مثل هذا الحلم أبناء البلدان الفقيرة قبل غيرهم. إذ إن طموحهم يتجه نحو زيادة الاستهلاك. وفي محصلة القول يرى المؤلف أن ثروات الأرض من مصادر الطاقة لا تزال تكفي للاستهلاك لعقود قليلة قادمة. لكن صياغة الإستراتيجيات المستقبلية على مدى عقود قليلة يعني بكل بساطة تمسك الأجيال الحالية بأنانيتها حيال الأحفاد.
ولا ينسى المؤلف أن يؤكد على ضرورة الحد من الانسياق وراء الدعوات الإعلانية للاستهلاك. وأما الهدف النهائي الذي يحدده المؤلف من القيام بـالمنعطف الجديد فهو الانتصار في معركة ولادة عالم جديد ونهاية مشرفة للغرب.
 المؤلف في سطور
 هيرفي كيمف كاتب سياسي متخصص في مسائل “حماية الطبيعة” في الإطار السياسي وهو كاتب افتتاحيات حول موضوعات متنوعة في صحيفة “لوموند الفرنسية”. من مؤلفاته: من أجل إنقاذ الأرض اخرجوا من الرأسمالية.
 الكتاب: نهاية الغرب وولادة العالم – تأليف: هيرفي كيمف- الناشر: سويل- باريس- 2013 – الصفحات: 192 صفحة – القطع: المتوسط

قد يعجبك ايضا